عادة ما نربط البطولات والمكارم بأشخاص معينين عُرفوا بتلك الصفات، سواء حالياً مع وسائل الإعلام بنجومها الذين تسلط الضوء عليهم، أو في الماضي مع القصص والأشعار التي كتبت لمدح وتخليد أولئك الناس دون غيرهم، فربط العرب قديماً الجود بحاتم الطائي، والشجاعة بعنترة بن شداد، والوفاء بالخنساء، هذه الأسماء أحياناً تنسينا وتجعلنا لا نرى أبطالاً مغمورين يعيشون معنا، فكل شخص يمكن أن يؤثر فينا بقصة حياته وبما يقدمه. مجيد كميلة ابن بجاية ليس سوى مجرد رسام أو مهتم بالفيديو وفقط، بل هو بطل مثل هؤلاء الأبطال الذين خاضوا معارك وخرجوا منتصرين منها. المميز فيه ليس ما يقوم به من أعمال فنية، بل حياته فهو وُلد مرتين وعاش حياتين؛ وُلد المرة الأولى في يوم من عام 1985 والمرة الثانية في أحد أيام 2011، فتغير كل شيء في حياته الثانية، ولم يبقَ من حياته الأولى سوى الشجاعة والأمل والابتسامة التي لا تفارقه. في حياته الأولى كان ذلك الشاب الحيوي الهاوي لكرة القدم ويعمل كمسيّر مالي في مؤسسة تصدير واستيراد، أما حياته الثانية فيقضيها في السرير مع معاناة المرض، بعد أن أصبح مشلولاً بسبب حادث سير بعد عودته من مباراة للفريق الوطني. "الفن جزء منّي، فمنذ كنت صغيراً كنت أحب الرسم. أما فيما يخص الأفلام فكل شيء بدأ بعد تعرضي للحادث حينما كان صديقي فرحات يقوم بتكوين في مجال السينما وقدم للمستشفى وطلب منّي أن أساعده في إعداد سيناريو لفيلم. في البداية اقترحت عليه إنجاز فيلم حول وكالات التشغيل، لكن الأشخاص الذين اتصلنا بهم اعتذروا عن عدم المشاركة في الدقيقة الأخيرة، حينها قلت له: لماذا لا ننجز فيلماً عن النظام الصحي بالجزائر؟ فاقترح أن ننجزه عن حالتي فقلت: نعم" يحكي لنا مجيد تجربته مع السينما. الفيلم ترجمة عنوانه للعربية "" وهو فيلم قصير من 27 دقيقة من إخراج المخرج الشاب تم تصويره بكاميرا رافقت مجيد وصوّرت لحظات حيّة في المستشفى الذي قضى فيه أشهراً وأثناء أدائه لحصص إعادة التأهيل وفي اللحظات التي قضاها مع عائلته وأصدقائه أو وحده على فراش المستشفى. الفيلم الذي تم عرضه في عديد المهرجانات الوطنية والدولية حاز على الجائزة الخاصة للجنة التحكيم بمهرجان الفيلم الأمازيغي بتيزي وزو عام 2012 وجائزة الجمهور بمهرجان "بوان دوك" بفرنسا عام 2013. بعد هذه التجربة الأولى في السينما، المجال الذي دخله مجيد وهو فوق فراش المرض، كوّن نفسه بنفسه في مجال الصوت والصورة والغرافيكس؛ حيث يكسب قوته حالياً كمصمم، حتى إنه فيما بعد قام بتأطير شباب قاموا بإخراج فيلمين قصيرين "الوصاية" و"اوحقر أرا"، فيلمين حازا بدورهما على جوائز. كما قام أيضاً بإخراج فيلم حول حياة المغني القبائلي عموش موحند، مغنّ من الجيل الأول للأغنية القبائلية الذي ساهم في نقل هذه الأغنية للعالمية في الأربعينيات، كما كان عازف عود رافق كلاً من محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش. "الفيلم حول عموش موحند أخذ الكثير من وقتي، تستطيع أن تقول قضيت فيه عامين. لا يوجد لا أرشيف ولا معلومات حوله". إضافة للسينما، فمجيد كميلة رسام كاريكاتير وقد سبق لكل من جريدة "لوماتان" أن خصصت له فضاءً في موقعها الإلكتروني لنشر رسوماته، كذلك "دي إن كا"، كما عمل مع جريدة وطنية لكنه استقال بعد اختلاف معها حين طلبت منه الدفاع عن الوزير السابق عبد السلام بوشوارب، الذي ظهر اسمه فيما أطلق عليه "باناما بايبرز" في 2016، فهو يرى أن الذين يستحقون أن يدافع عنهم هم "أولئك المتواجدون على هامش المجتمع والذين يقبعون في مختلف زوايا الشوارع". عن نظرته للحياة بعد ما عاشه فمجيد كميلة يقول: "الحياة بالنسبة لي هي اللحظة الآنية، يجب أن نعيش كل لحظة بما لدينا من إمكانيات حتى ولو محدودة، التوقف عن الشكوى؛ لأن كل شيء يمضي مع الوقت. أحاول أن أبقى متفائلاً، ولما أعاني أفكّر أن ذلك ليس سوى سحابة ستنقشع. عشت لحظات صعبة والخسارة لم تعد تخيفني كما كانت في السابق..". ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :