معظم الدراسات التي طالب أصحابها بإخراج عقوبة الإعدام من القانون ارتكزت إلى حقيقة ما من سبيل لتجاهلها، وهي أن العقوبات لم تؤد عبر التاريخ إلى الحيلولة دون تكرار الجرائم، ومن أبرز الذين كتبوا في هذه المسألة آرثر كوستلر البريطاني والبير كامو الفرنسي. وقد وصف كامو في كتابه المقصلة مشهداً لعقوبة إعدام، أصابه في طفولته بالقشعريرة وبنوبات من الغثيان أرقته لفترة طويلة. وقد تتفاوت أدوات تنفيذ الإعدام من حيث قسوة المشهد أو السرعة في الإنجاز، سواء كانت الأداة حبلاً أو شفرة مقصلة، كما هو الحال في فرنسا لزمن طويل أو الكرسي الكهربائي. وستظل هذه العقوبة وهي أقصى ما يمكن بلوغه من القصاص مداراً لسجالات سياسية وسايكولوجية واجتماعية أيضاً، إضافة إلى السجالات القانونية، فهل يأتي وقت تصبح فيه هذه العقوبة بالفعل خارج القوانين كلها، أم أن هناك من الجرائم ما لا يمكن التعامل مع مرتكبيها بعقوبة أقل؟ القاتل يصدر حكماً بالإعدام على ضحيته ويتولى تنفيذه بنفسه، لهذا فهو حين يعامل بالمثل يكون الأمر منطقياً، لكن السؤال الإشكالي المتكرر هو هل ستتحول مثل هذه العقوبة القصوى إلى رادع فعلي؟ وهل اعتبر بعض المجرمين مما شاهدوه أو سمعوا عنه من عقوبات الإعدام؟ وما لم يرد ذكره في أبحاث المختصين بهذا الشأن هو الإعدام الذاتي أو الانتحار، خصوصاً حين يمارسه أشخاص يتوهمون بأنهم يخدمون قضية أو هدفاً، والانتحاري الذي يفخخ جسده يحكم على نفسه والآخرين معاً بالإعدام، لكنه يتصور بأن موته موعود بقيامة أو ثواب، فيما يكون موت ضحاياه عقاباً وانتقاماً. وما كتب حتى الآن عن الانتحاريين ودوافعهم لارتكاب هذه الجريمة متعددة الأبعاد لا يكفي للكشف عن نزعة تدمير الذات، أو الماسوشية التي يتلذذ المصاب بها بالألم وتعذيب الذات. فالمرجعيات السماوية والقوانين الوضعية والمنطق بكل أشكاله تلتقي عند تجريم المنتحر الذي يعطي لنفسه حقاً ليس له. خيري منصور
مشاركة :