خيري منصورما كان يتردد عبر الميديا في نهايات الحرب الباردة عن خرائط جديدة، وبالتالي تضاريس سياسية ذات خطوط طول وعرض طائفية وعرقية لم يتعامل معه العرب بالجدية المطلوبة، وغاب عنهم أن مئوية سايكس-بيكو سوف تشهد صدور طبعة جديدة ومنقحة بعد قرن!ما كتبه برنارد لويس وما بشر به شمعون بيريز حول الشرق الأوسط الجديد كان مسودات لهذه التضاريس الجديدة، ثم أضافت كوندليزا رايس ملحقاً سرعان ما انتقل من الهامش إلى المتن وهو الشرق الأوسط الكبير، وبالرغم من تداول بعض المختصين والأكاديميين لتقارير عن تقسيم العالم العربي مجدداً، وتحويل بعض أقطاره إلى كسور عشرية، إلا أن هذا الوعي لم يعمم وبقي في نطاق سجالات النخب!ولم يكن احتلال العراق وإسقاط نظامه نهاية المطاف في هذه الدراما؛ لأن ما ترتب على ذلك هو تغذية الهويات الفرعية، واستبدال الطوائف المتناحرة بثقافة الأطياف المتعايشة، ولم تسلم حتى مصر من مثل هذه الاستراتيجية؛ لكنها نجت بفضل ما لديها من وحدة وطنية، تماماً كما نجت أثناء الاحتلال البريطاني وكانت ثورة عام 1919 هي التجسيد الحي والميداني لذلك.وقبل أن يحل بالعرب ما حل بهم تحت مختلف الشعارات الملفقة كانوا يحلمون باحتفال مغاير؛ بل مضاد لمئوية سايكس - بيكو؛ لكنها بعد أن حدث ما حدث أوشكت أن تتحول إلى مطلب قومي ووطني بحيث يبقى البلد العربي الواحد عصياً على التشطير وخصخصة الهوية الأم! وحين نتذكر ما كتبه رواد الصهيونية قبل «الأسرلة» وإعلان الدولة نجد أن تقسيم الوطن العربي مجدداً هو رهان صهيوني بامتياز، وقد تبدو الحكاية التي تعلمها جيلنا في كل المدارس الابتدائية في الوطن العربي عن العصي لا يستطيع أحد كسرها مجتمعة؛ لكنها تتكسر تباعاً وهي فرادى حكاية ساذجة لا ترقى إلى ما نتداوله اليوم من حذلقة سياسية ومصطلحات مغناطيسية؛ لكن الحقيقة هي من صلب تلك الحكاية، فالعصي المتفرقة والمتباعدة تتكسر الآن تباعاً، ولا ندري كم تبقى لنا من مشترك قومي ووطني كي نتدارك هذه المتوالية الانشطارية قبل بلوغ نهايتها الكارثية؟.
مشاركة :