ما بين يوم الباستيل في فرنسا ويوم الانقلاب الفاشل في تركيا، ساعات معدودة من الزمن، ولكن كلاهما يحملان أحداثاً دموية مختلفة، وإن اختلفت نوعية العمل والمكان. ورغم أن يوم الانقلاب العسكري على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كانت أحداثه فاشلة والسيطرة عليها كانت سريعة وحاسمة بسبب شعبيته الكبيرة وحنكته السياسية، إلا أن ذكرى الثورة الفرنسية (يوم الباستيل)، الذي رفعت فيه شعارات «المساواة والحرية والعدل» كانت أكثر قساوة ودموية من حيث الهجوم الوحشي إلى حد المجزرة. فلم يتوقع أحد أن تصل الضمائر إلى هذا الحد من الهوس والجنون في نوعية الإجرام الذي يتمثل بقتل الأبرياء من المدنيين. فالإرهابي المدعو محمد بوهلال - تونسي الأصل - قتل وجرح المئات من الضحايا الأبرياء من جنسيات متعددة دهساً بشاحنته كالمجنون، وهو يعلم تماماً أن من بين هؤلاء، أبرياء ليس لهم أي علاقة بالسياسة أو الدين أو الحروب، وإنما أتوا من مختلف بقاع العالم لحضور احتفالات فرنسا في نيس، ليكونوا بعيدين عن أزمات الحروب والصراعات العنصرية. لكن لم يرحمهم هذا الوحش الإرهابي، الذي أستهدف المئات على الكورنيش البحري، بعد مرور نحو ثمانية أشهر من هجمات باريس الدموية التي تبناها تنظيم «داعش» وما زال يسلط الضوء على عمل المزيد من سفك الدماء في هذا البلد السياسي الآمن. والسؤال هنا: ما ذنب الرجال والنساء والأطفال الذين قتلوا دهساً في نيس؟ وكيف ستكون رد فعل الشعب الفرنسي تجاه هذا المجرم الذي لم يرحم كبيرهم وصغيرهم؟ وماذا يستفيد هذا المعتوه من هذا الفعل المشين، غير السمعة السيئة له ولعائلته وللمسلمين؟ بالتأكيد أصبح إرهابيو «داعش» هم الأداة العدائية الملطخة أيديهم بدماء الأبرياء جميعاً، إن كانوا مسلمين أم مسيحيين. فهم بشر لا يجوز قتلهم من دون ذنب. ولكن تبقى المعتقدات والفتاوى الدينية محل شبهة وتسفيه طالما أن الأمر يتعلق بانتحاريي «داعش» الذين يعتقدون أن القتل «حلال» وأن ما يقومون به هو بطاقة دخول الى الجنة! فلنلقِ الضوء على ما يحدث في العراق وسورية وليبيا ومصر، وعلى بعض الأعمال الإرهابية التي انتقلت إلى مساجد السعودية والكويت... هل استفدنا منها بشيء غير المزيد من الإرهاب والكراهية والتفرقة والدمار وسفك الدماء للأبرياء... سنصل الى اليوم الذي سنلوم أنفسنا فيه ونتحسر على النعم التي هداها الله لنا لأننا جميعاً مساءلون. فالذي دهس الأبرياء بشاحنة في ذكرى الثورة الفرنسية، يحمل وزر هؤلاء الضحايا، أي أن أرواحهم معلقة في رقبته حتى وإن مات. فقد كان المجرم الإرهابي يخطط للمزيد من نزيف الدم لأنه كان يحمل معدات قابلة للانفجار، ومن حسن الحظ أن الشرطة نجحت في تصفيته. نعم إنها ليلة من الرعب عاشها سكان نيس والسياح الذين قصدوا هذه المدينة السياحية للترفيه عن أنفسهم. إلا أن هذا السفاح «الداعشي» بوهلال جعلهم يعيشون فوق بركة من الدماء من كثرة الجثث المتناثرة على امتداد الطريق. فمن يدفع ثمن هذا الإجرام وليلة الرعب، هم المسلمون المسالمون، لماذا؟ لأن هذه الميليشيات والمنظمات الإرهابية مستمرة بالإساءة إلى ديننا الإسلامي الحنيف والزج بأسمائهم «العربية والإسلامية»، فلماذا يساهم هؤلاء في تشويه سمعة الدين الإسلامي وتاريخه المجيد؟ إن الحملة العنصرية التي تحاك ضد المسلمين في دول الغرب سببها تلك الأفعال المشينة من تلك الميليشيات والمنظمات التي تمارس أعمالها الإرهابية تحت مظلة الدين والإسلام، بينما هذا الأمر ينعكس علينا، وندفع بذلك ثمن المعاملة العنصرية السيئة والتفرقة في كل شيء. ولو نظرنا إلى متطوعي هذه المنظمات الإرهابية، نراهم جميعاً يعانون من أمراض نفسية واجتماعية تحمل صفة العنف والكراهية والطيش. وخير مثال على ذلك المدعو بوهلال الذي يقال عنه إنه يعاني من الانفصام في الشخصية، ووصفه المقربون بأنه عنيف في تعامله مع أسرته ومع الآخرين، صامت، انطوائي، لا يصلّي ولا يصوم، وكان يشرب ويأكل المحرمات. فماذا نتوقع من شخص يحمل كل هذه المواصفات والطباع؟ لن نقول إلا «حسبنا الله ونعم الوكيل»، ونرسل تعازينا وصادق مواساتنا القلبية الى الحكومة الفرنسية وإلى أهالي الضحايا والشعب الفرنسي بضحايا عملية الدهس الإرهابية وإدانتنا الشديدة لهذا العمل الإجرامي المشين الذي لا يمت لنا بأي صلة ويتنافى مع الشرائع السماوية والقيم الإنسانية. ونسأل الله أن يعم السلام في كل بقاع العالم. alfairouz61alrai@gmail.com
مشاركة :