محاولة الانقلاب في تركيا أفرزت مواقف عديدة، أتمنى على مفكري أمتي أخذ وقتهم بدراستها وتحليلها والاستفادة منها. لنأخذ مثلاً موقف التيار الليبرالي العربي الذي خالف أول مبادئ الليبرالية، وهو الحكم الديموقراطي، ووقف مع الانقلاب ليعطي الدليل للمرة الثالثة على انه لا يؤمن بمبادئ الليبرالية بل فقط يرتدي ثيابها. المرة الأولى كانت هي المفاجأة والتي جعلت الكثيرين من النخب الديموقراطية يكفرون في التيار الليبرالي العربي. ففي يناير عام 1992 تدخل العسكر في الانتخابات الحرة التي حدثت في الجزائر وألغى نتائجها بعدما فاز بها تيار إسلامي. يومها كَشَفَت النخب الليبرالية العربية موقفها الحقيقي من الديموقراطية وأيدت موقف العسكر بل وأخرجت مسميات جديدة لخداع مريديها، مثل الدولة الدينية والإسلام السياسي وغيرهما من المصطلحات التي تسعى إلى عزل الآخر وتحقيره، حتى لو نال أصوات الشعب. يومها عرف المتابعون وربما للمرة الأولى، أن رموز التيار الليبرالي في العالم العربي، هم مجرد صورة أخرى للمستبدين بلباس أكثر جاذبية، وقد سعى مفكرو التيار الليبرالي في ذلك الوقت لبذل كل الجهد لتبرير مواقفهم، لكن كل ذلك لم ينفع في لئم الجرح الذي أخذ ينزف في التيار الليبرالي العربي ويؤدي إلى هروب العقلاء منه ما اضطر قادته إلى إدخال كل من يعادي التوجه الإسلامي حتى ولو كانوا طلاب شهرة أو فاسدين أو جهلاء ما أضعف بنيان التيار الليبرالي وجعل أصحابه والذين ينتمون إليه يخسرون القيادة الفكرية التي كانوا يتمتعون بها قديماًَ. لقد أدى موقف التيار الليبرالي التركي الذي وقف ضد الانقلاب، إلى فضيحة للتيار الليبرالي العربي، وأعطى الدليل مرة أخرى إلى حاجة هذا التيار لإعادة تقييم أدبياته والتمسك بقيم الليبرالية ونتائج الديموقراطية حتى تعود إلى التيار العربي مصداقيته التي هربت منه في تجربة الجزائر. إن من المهم أن يطرد التيار الليبرالي من عباءته، الجهلاء والمدعين وطالبي الشهرة ممن يستظلون بمبادئه من أجل مصالح شخصية... تطهير التيار الليبرالي من مثل هؤلاء هو ضرورة لعودة المصداقية لهذا التيار. ليس من العقل أن يستعين الانقلابيون العسكر وأتباعهم بالتيار الليبرالي ليُبرروا أفعالهم ويحتمون بدعاة الديموقراطية ليُجهضوا الديموقراطية، إنه تناقض لا يتحمله تفكير العقلاء. درس تعلمناه من محاولة الانقلاب على الديموقراطية في تركيا ولن تتوقف الدروس عند هذا. kalsalehdr@hotmail.com
مشاركة :