هزيمة العقل العربي مجدداً... - مقالات

  • 5/4/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

صدر عن حركة «حماس» وثيقة جديدة أم لم يصدر، ذلك لا يقدّم ولا يؤخر لا فلسطينياً ولا عربياً ولا يغيّر شيئاً في أوضاع منطقة الشرق الاوسط ولعبة التوازنات فيها.يأتي الكلام عن الوثيقة الجديدة مع اقتراب الذكرى الخمسين لهزيمة الخامس من يونيو التي كانت قبل أيّ شيء آخر هزيمة للعقل العربي، هزيمة يبدو أنّه لم يشف منها بعد. لو كان العقل العربي شفي من هذه الهزيمة، لكانت «حماس» صارحت العرب عموماً والفلسطينيين على وجه التحديد بأنّها تريد وراثة السلطة الوطنية الفلسطينية والحلول مكانها في الضفّة الغربية. فالسلطة الوطنية الفلسطينية تعاني حالاً من الهلهلة لأسباب داخلية أوّلا ولانسداد آفاق التسوية السياسية ثانياً وأخيراً. لماذا لا تستغلّ «حماس» هذا الوضع؟يحصل ذلك في وقت تحوّلت حركة «فتح» الى موضوع هامشي، لا لشيء سوى لأن «فتح» بوضعها الراهن لم تعد على علاقة بـ «فتح». وهذا ما تعيه «حماس» جيّداً مع اقتراب ذكرى اقتراب ذكرى مرور عشر سنوات على استيلائها على قطاع غزّة وإخراج السلطة الوطنية وأجهزتها منها وحرصها على المسّ بما يمثّل تاريخ «فتح»، بما في ذلك منزل ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، ومحتوياته.باتت «حماس»، التي أقامت «إمارة إسلامية» في القطاع وخاضت حروباً مع إسرائيل، تمتلك ما يكفي من الخبرة في ممارسة السلطة في ظروف في غاية الصعوبة. لماذا لا تنقل تجربتها الى الضفّة الغربية مستخدمة هذه المرّة الوسائل المشروعة وبرنامجا مقبولا من المجتمع الدولي؟يقوم هذا البرنامج الجديد، الذي أعلنته «حماس»، على التخلي عن فكرة تدمير إسرائيل من جهة وقبول قيام دولة فلسطينية في حدود العام 1967 من جهة أخرى. إضافة إلى ذلك، سعت «حماس» إلى طمأنة مصر وذلك عن طريق إعلان فك الارتباط بجماعة «الإخوان المسلمين»، علماً أن الطفل يدرك ان هذا ليس ممكناً وليس صحيحاً، لأن في داخل كلّ حمساوي أخ مسلم صغير يعرف جيّداً متى يخبّئ ما يؤمن به حقيقة وراء بذلة غالية الثمن وربطة عنق شبه أنيقة، بل مشكوك بأناقتها، متظاهراً بأنّه يريد دولة مدنية منفتحة. الواضح أنّ مصر تعرف ذلك جيّداً ولذلك وضعت العلاقة مع «حماس» في إطار محدّد بدقة. حصرت هذه العلاقة بجهاز الاستخبارات لديها، أي أنّ موضوع العلاقة مع «حماس» موضوع أمني بالدرجة الاولى.لا يمكن الاستخفاف بالطريقة التي تعدّ بها «حماس» نفسها لتولي أمور الضفّة الغربية. استعانت بشخصيات أوروبية نافذة تولت التوسط مع الإدارة الاميركية التي يبدو أنّها اطلعت على النصّ الذي تنوي الحركة اعتماده من أجل الإطلال على العالم بطريقة مختلفة عن تلك التي أطلّت بها عليه من غزّة.من هذا المنطلق، لابدّ من وضع الوثيقة الجديدة التي أعلنت عنها في اطارها الصحيح، أي السعي الى السلطة. هناك شبق للسلطة، ليس بعده شبق، لدى «الاخوان المسلمين» وكل التنظيمات التي خرجت من عباءتهم. المهمّ السلطة. هذا ما بدا واضحاً من خلال ممارسات «حماس» في غزة.أمضت «حماس» عشر سنوات في حكم القطاع بعد الاستيلاء عليه بالقوّة في منتصف يونيو 2007 وبعدما أخلّت بكل الاتفاقات التي وقّعتها مع «فتح»، بما في ذلك اتفاق مكّة. نجحت في أمر واحد هو الاحتفاظ بالسلطة بعدما جعلت همّ كلّ فلسطيني مقيم في القطاع الهرب منه. أكثر من ذلك، استفادت الى أبعد حدود من الحصار الذي فرضته إسرائيل على أهل القطّاع. وفّرت إسرائيل لـ «حماس» كلّ ما تريده من اجل الاستمرار في التحكّم برقاب الغزّاويين. كان استمرار الحصار جزءا من استراتيجية الحركة الإسلامية التي أرادت تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني وليس الانتهاء من الاحتلال الذي رحل بالفعل عن غزّة صيف العام 2005.كانت الصواريخ المضحكة ـ المبكية التي تطلقها «حماس» بين وقت وآخر تجاه إسرائيل أكبر خدمة قدمّتها لها كي يقول ارييل شارون والذين خلفوه، على رأسهم بنيامين نتنياهو، ان لا شريك فلسطينياً يمكن التفاوض معه.بعد عشر سنوات من الخدمات الجليلة لإسرائيل، آن الأوان لـ «حماس» كي تقدّم أوراق اعتمادها لنتنياهو في الضفّة الغربية. كيف لا ترحّب حكومة اسرائيل بمثل هذا التطوّر ما دامت «حماس» ترفض الاعتراف بإسرائيل. ستقول إسرائيل إن على من يريد التوصّل الى حل الاعتراف بالطرف الآخر. لماذا إذن طرح موضوع المفاوضات، اللهمّ إلّا إذا كانت «حماس» ستسعى الى ذلك من أجل تحقيق «هدنة طويلة» تحدّثت عنها في الماضي. مثل هذه الهدنة تظل هدفاً إسرائيلياً بحد ذاته نظراً الى انّ ما تريده في المدى المنظور هو التركيز على زرع مزيد من المستوطنات في الضفّة الغربية ومحاصرة القدس الشرقية من كلّ حدب وصوب بغية تكريس احتلالها لها.لا شيء يمنع «حماس» من القول صراحة إنّها تريد السلطة ووضع اليد على منظمة التحرير الفلسطينية وعلى الضفّة الغربية. أمّا القول انّ الوثيقة الجديدة ستشكّل تطوّرا على الصعيدين الفلسطيني والاقليمي، فهذا كلام لا معنى له ولا يصدّقه إلا الساذجون الذين يجهلون أن ياسر عرفات ناضل طويلاً من أجل الوصول الى اقرار البرنامج الوطني الفلسطيني الذي مهّد، بعد توقيع اتفاق أوسلو، لدخوله البيت الأبيض.بين اللقاء الاوّل بين «أبو عمّار» ووزير الخارجية الفرنسي جان سوفانيارغ وإقرار البرنامج الوطني الفلسطيني الذي يتضمّن اعترافاً بإسرائيل وبالقرار 242، انقضت أربع عشرة سنة. عقد اللقاء مع الوزير الفرنسي، وكان الاوّل من نوعه بين مسؤول أوروبي في هذا المستوى يمثّل دولة لديها عضوية دائمة في مجلس الأمن، في العام 1974 في مقر السفير الفرنسي في بيروت. في العام 1988، انطلقت رحلة التفاوض مع إسرائيل بعد بدء الحوار بين منظمة التحرير والولايات المتحدة، مروراً بنبذ «أبو عمّار» للارهاب في مؤتمر صحافي عقده في جنيف.كان الهدف الوصول إلى الدولة الفلسطينية المستقلة وليس ممارسة السلطة في ظلّ الاحتلال او الحصار كما هو حاصل حاليا في غزّة والضفّة الغربية. لتكن «حماس» صريحة ومباشرة مع الفلسطينيين وتعلن ما الذي تريده، أي حكم الضفّة الغربية. لن تجد عندئذ أي مشكلة مع إسرائيل، لا لشيء سوى لأنّ الاخيرة تفضل مئة مرّة أن تكون «حماس» واجهة الشعب الفلسطيني والمجتمع الذي تسعى الحركة الى إقامته البديل من المجتمع الفلسطيني المنفتح على كلّ ما هو حضاري في العالم.تتكرّر هزيمة العقل العربي بعد نصف قرن على هزيمة 1967. ثمّة من لا يريد أن يتعلّم من تجارب الامس القريب التي أوصلت الفلسطينيين الى أبواب القدس لو أحسنوا التصرّف في العام 2000، عندما عرض عليهم بيل كلينتون إطاراً عاماً لحلّ كان مفترضاً بهم قبوله بدل اتخاذ قرار بـ «عسكرة الانتفاضة»...تعيد «حماس» السير في تجربة فاشلة لا أمل لها بالنجاح لا أكثر ولا أقل. إنّها تحتقر العقل السليم وكل ما له علاقة بالمنطق وتجارب التاريخ الحديث والقديم في آن.

مشاركة :