شيماء المرزوقي بات معظم الناس متشابهين، بالأفكار التي يؤمنون بها، بأسلوب الحياة التي يعيشونها، بالأزياء التي يرتدونها، بأساليب الترفيه التي يتمتعون بها. قلّما تجد شخصاً يغرد خارج السرب، يفكر بشكل مختلف، يطرح قضايا منسية أو غريبة، له أسلوب ومزاج خاص ومبتَكر. قليلون جداً، ولكنهم هم من نجحوا بالتغلب على ما يُسمّى التأثير الاجتماعي. يقول الأديب والفيلسوف الأمريكي، رالف والدو: أن تكون نفسك، في عالم يحاول جعلك شخصاً آخر، لهو أعظم إنجاز. هذه حقيقة مُرّة، فللمجتمع تأثير كبير علينا، وفي أحيان يكون سلبياً، عندما تعتقد أنك حر بأفكارك وقراراتك واختيارك وأفعالك ومفاهيمك عن الحياة، تذكر أن هناك تأثيراً اجتماعياً شكّل هذه المفاهيم والأفكار، ونحَتها لتتناسب مع الجموع. التأثير الاجتماعي هو عائلتك، زملاء العمل والدراسة، المتحدثون والمحاضرون، التلفاز والسينما والدعايات التجارية والكتب والصحف والمواقع التي تتصفحها والإذاعات والأغاني التي تسمعها بشكل يومي. هذه العوامل تلعب دورها بالتأثير على ما تقوله، وما تؤمن به وتتصرف وِفْقه. إن التأثير الاجتماعي ليس بالضرورة سلبياً، ولكن الانجراف نحو كل ما يُقدّم ويُقال لنا، يحرمنا من تفعيل عقولنا وتحكيمها، ويزرع في داخلنا خوفاً غير مبرر من الابتكار والاختلاف والتحرر من النمط الاجتماعي المحيط بنا. تجد كل شخص يبذل كل جهده ليكون مثل زميله، مديره، أو أحد المشاهير. يفكر بكل السبل ليكون مثلهم ولا يفكر بكيف يطور نفسه، ويكون مميزاً، ويعكس الوجه الحقيقي والمزايا والمواهب التي حباه الله بها. هناك عدة أمور علينا القيام بها لنكون على حقيقتنا، أو لنكون أنفسنا. أوّلها أن نتعلم كيف نفكر بشكل مستقل، بمعنى أننا نستقبل الفكرة، ومن ثم نقلّبها في أدمغتنا، ونحللها ونحسب الخسائر والمكاسب منها. بهذه الطريقة تأثير الزملاء والأهل لن يكون مشكلة، فكل ما يؤمنون به ويقولونه سيدخل لدماغك لتتم فلترته. الأمر الآخر وهو دراسة تسلسل القرارات التي نصنعها، فعندما نقرر فعل شيء ما، لأن شخصاً ما فعله، من المهم أن نسأل: ما الذي سيحصل بعد ذلك؟ هل سأتحول فجأة لهذا الشخص الذي أحبه؟ هل سيحبني الناس فجأة لأنني أقلده؟ هل سيطورني هذا ثقافياً، اقتصادياً، مهنياً أو اجتماعياً؟ ما هي الخسائر التي سأتكبّدها عند فعل ذلك؟ هذا التحليل يساعد كثيراً في جعل أفعالنا موزونة، وغير منجرفة تحت أي تأثير. آخر مفتاح للتغلب على التأثير الاجتماعي، هو أن تركز على ما تريده، وليس على ما يريده الآخرون. لكل منا أهداف شخصية وأحلام ورغبات، ولكنها سرعان ما تندثر وتختفي لأنك أصبحت مشغولاً بمواكبة المجتمع وتطوّراته، مشغولاً بجعل نفسك نسخة من الآخرين. من المهم أن تستعيد ذاتك الحالمة والطموح، ومن المهم جداً أن تسعى لهذه الأهداف حتى لو تمت محاربتك أو نبذك أو تم التخلي عنك لأنك أصبحت مختلفاً أو لا تتناسب مع محيطك، فالسعي لأهدافك الشخصية والرغبة بتحقيق ما تريده، هو ما سيطوّرك ويلهمك، وأيضاً ستتجلّى لك حقيقة كينونتك الصافية، والخالية من أي تأثير أو شوائب. Shaima.author@hotmail.com Www.shaimaalmarzooqi.com
مشاركة :