المرأة... والحركة الصوفية (2-2)

  • 7/21/2016
  • 00:00
  • 38
  • 0
  • 0
news-picture

يطرح دخول المرأة مجال التصوف وجماعاته أسئلة دينية واجتماعية معروفة، منها مثلا مدى حرية المرأة في أن تقرر تكريس حياتها، دون موافقة زوجها أو ولي أمرها للعبادة والتأمل. وممن في كتبه إشارة إلى النساء في الحركة الصوفية د. عمار علي حسن، الباحث المصري في العلوم السياسية والكاتب المعروف، فمن كتبه "التنشئة السياسية للطرق الصوفية في مصر"، 2009. ومن ملاحق الكتاب "قانون الطريقة الحامدية الشاذلية"، وجاء في مادته الـ193، "ممنوع وجود النساء والأطفال في الحضرات"، وفي المادة 196 "ممنوع في حضرات طريقنا- أي مذهبنا في التصوف- جلوس الرجال والصبيان والنساء في وسط حلقة الذكر". (ص 668). ولكن هل سرى مثل هذا المنع في أوساط متصوفة آسيا وإفريقيا؟ وهل كانت المرأة ممنوعة من دخول مجال التصوف في إيران وتركيا وبين مسلمات الهند كما المرأة في العالم العربي؟ وهل هناك كتب ودراسات حول انتماء المرأة إلى الجماعات الصوفية؟ نعم توجد! كتب ومراجع ونحن نجد مثلا بين مراجع كتاب د. عمار حسن نفسه، ضمن البيلوغرافيا التفصيلية في آخر الكتاب إشارة إلى بعض هذه الكتب ومنها: 1- "المرأة المغربية والتصوف في القرن الحادي عشر الهجري"، مصطفى عبدالسلام المهماه، الدار البيضاء، دار الكتاب، 1978، 135 صفحة. 2- "ذكر النسوة المتعبدات الصوفيات"، أبو عبدالرحمن السلمي، تحقيق محمود محمد الطناحي، القاهرة، مكتبة الخانجي، 1993، 157 صفحة. 3-"العاشقة المتصوفة: رابعة العدوية"، وداد السكاكيني، دمشق: دار طلاس 1989، 141 صفحة. 4- "دور المرأة في التصوف الإسلامي"، رسالة ماجستير بكلية دار العلوم، عبير عبدالرحمن محمد ياسين، إشراف مصفطى محمد حلمي، القاهرة- جامعة القاهرة، 1998. ونتساءل: هل هناك دراسات وكتب ورسائل جامعية حول الموضوع باللغات والمنشورات الغربية أو الآسيوية؟ يطرح دخول المرأة مجال التصوف وجماعاته أسئلة دينية واجتماعية معروفة، منها مثلا مدى حرية المرأة في أن تقرر تكريس حياتها، دون موافقة زوجها أو ولي أمرها للعبادة والتأمل، فالزوجة مثلا يحرم صيامها نفلاً، أي خارج فريضة الصيام في رمضان بغير إذن زوجها، أو بغير أن تعلم بكونه راضيا عن ذلك وإن لم يأذنها صراحة، إلا إذا لم يكن محتاجاً لها، كأن كان غائباً أو محرماً، أو معتكفاً". (الفقه على المذاهب الأربعة، عبدالرحمن الجزيري، ج1، ص504). ويضيف الكتاب نفسه أنه "لا يصح اعتكاف المرأة بغير إذن زوجها، ولا تجب صلاة الجمعة على المرأة، ويرى الأحناف "الأفضل أن تصلي المرأة في بيتها ظهراً، سواء كانت عجوزا أو شابة، لأن الجماعة لم تُشرع في حقها، وقال المالكية إن كانت المرأة عجوزاً جاز لها أن تحضر الجمعة، فإن كانت شابة وخيف من حضورها الافتتان بها في طريقها أو في المسجد، فإنه يحرم عليها الحضور دفعا للفساد. الشافعية قالوا: يكره للمرأة حضور الجماعة مطلقاً في الجمعة وغيرها إن كانت مُشتهاة، ولو كانت في ثياب رثة. الحنابلة قالوا: يباح للمرأة أن تحضر صلاة الجمعة بشرط أن تكون غير حسناء، أما إن كانت حسناء فإنه يكره لها الحضور مطلقاً". (ص349). السيد سابق هذا عن "الفقه التقليدي" إن صح التعبير، فنحن نرى مواقف أقل تشددا لدى فقهاء الإسلام السياسي في صياغة المنع، ومنهم "السيد سابق" (1915-2000) في كتابه الواسع التداول "فقه السنّة" وكان السيد سابق من قادة الإخوان المسلمين في مصر، وكان كتابه الفقهي هذا مرجع التنظيم السري الخاص للإخوان، وقد وضعه بأمر من المرشد حسن البنا! ويقول: يجوز للنساء الخروج إلى المساجد وشهود الجماعة بشرط أن يتجنبن ما يثير الشهوة ويدعو إلى الفتنة من الزينة والطيب". ويكرر بالطبع ما هو وارد في كتب الفقه الأخرى في هذا الباب. (فقه السنّة، ج1، بيروت 1983، ص 229). أما من يجسد فقه الإخوان المسلمين وطموحاتهم الحزبية في المجال النسوي، ويصول ويجول في هذا الميدان، فهو "عبدالحليم أبو شقة"، مؤلف الموسوعة النسائية "تحرير المرأة في عصر الرسالة"، الذي أعاد النظر في الكثير من تفاسير الآيات والأحاديث النبوية، بما يتلاءم مع تعاظم نشاط النساء في مختلف جماعات الإسلام السياسي والأحزاب الدينية، ممن كنّ يجدن الحرج في التعامل مع "فهم" تلك النصوص، وتولى "أبو شقة" في مجلدات الكتاب المطولة، الدفاع عن "الفهم العصري" لتلك الموانع والتحريمات، وبخاصة في الجزء الثالث من الكتاب وعنوانه "حوارات مع المعارضين لمشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية"، كما سنرى لاحقاً. أحمد نصري ويلخص الباحث "أحمد نصري" في محاضرة بإحدى الندوات بمدينة الرباط عام 1998 في "جامعة الصحوة الإسلامية" العلاقة بالجنسين في الإسلام كما يلي: "إن لعلاقة المرأة بالرجال أربع دوائر تتفاوت ضيقا واتساعا، فعلاقتها مع الأجانب غير الأقارب ضيقة لا تكلم أحدا إلا لضرورة، ولا تختلط بأحد منهم، ولا تخلو به، ولا يظهر من جسدها إلا وجهها وكفاها، وتتسع هذه الدوائر أكثر مع المحارم كابن العم زوج الأخت، فلا تخلو به لكنها تتحدث معه وتلتزم بالحجاب الشرعي، وتتسع هذه الدوائر أكثر مع المحارم حرمة مؤبدة فيمكنها الخلوة معه، ولها أن تكشف عن زينتها، ثم تتسع هذه الدائرة إلى أقصى حد مع رجل واحد هو الزوج، فتكون بلا حدود ولا قيود". (حقوق المرأة وواجباتها في الإسلام، ج1، الرباط 1988، ص363). ولا شك أن الالتزام الدقيق بشروط كهذه لا يسهل على المرأة التحرك في أي عمل واسع منظم كالجماعة الصوفية، ناهيك عن كل الأوامر والنواهي الأخرى التي لا بد أن تلتزم بها، وتحكّم الأب والأخ والزوج في الكثير من جوانب حياتها وقراراتها. ماذا عن انتماء المرأة ونشاطها في تنظيمات الإسلام السياسي و"الدعوة"، وهي جماعات كثيرة في مختلف البلدان الإسلامية، تتحرك بدرجات متفاوته من العلنية والسرية وتضم الكثير من النساء؟ وهل نجحت المرأة في اختراق مناصب التوجيه واتخاذ القرار في هذه الجماعات؟ وهل كان نجاح "الأخوات المسلمات" مثلا بنجاح الإخوان المسلمين نفسه؟ هذا ما قد نكتب عنه في مقال قادم.

مشاركة :