نحن شعب اعتاد على الهدم ولم يعتد على البناء، كل ما نفعله يدل على خلل في عقلياتنا، نبني أبراجاً وعمارات شاهقة على اعتبار أنها دليل تحضر، لكنه تحضر زائف بلا ذاكرة وغير مستند إلى عراقة الماضي، كمن يبني قصراً في الهواء. في كل مدينة أوروبية أو عربية، هناك ما يسمى بالمدينة القديمة old town، عمرها يعود إلى العصور الوسطى، تم الحفاظ عليها رغم الحروب والحرائق والكوارث، وتبقيها الدول لأنها تعكس ماضيها وتراثها وهويتها وتفخر بها، ويستمتع السياح بزيارتها والشعور بعظمة وعبق التاريخ، والتعرف على هوية الشعوب التاريخية. إلا في الكويت التي لا ترى في مبانيها التاريخية، سوى مبان قديمة أشبه بالخرائب التي تشوه التحضر المزيف، حتى غدونا شعبا بلا ذاكرة وبلا هوية تراثية، تعكس ماضينا وتراث الأجداد وكفاحهم، وكيف كانوا يعيشون في صراع مع الطبيعة، بلا كهرباء أو ماء أو نفط. فقد تم التخلص من تاريخنا وهويتنا تباعاً، وتألمنا لهدم الفرجان والأحياء القديمة، بمنازلها ومساجدها ومعالمها، تألمنا عندما هدمت «الكرة الأرضية» على مدخل ثانوية الشويخ، التي كانت تعكس بداية النهضة التعليمية، وكانت صورها توضع في بطاقات البريد (بوست كارد)، وتألمنا من قرار إزالة بيت لوذان، وهو بيت الأمير الراحل صباح السالم الصباح، لكي يبنى مكانه مجمع تجاري ومحلات بلا روح من الماضي الجميل، وها هي وزارة الأشغال العامة تريد هدم مسجد شملان الرومي الذي بني عام 1893. وقد قال وزير الأشغال العامة الدكتور علي العمير بكل ثقة: «ما سنقوم به لن يتعارض مع أي أمر شرعي أو اجتماعي، ولن نفرط بالتراث ولا الآثار»، ولا نعرف كيف تتم المحافظة على التراث والآثار، ونحن نهدمها من أجل شارع أو مجمع تجاري، فالمباني التراثية قيمتها ليست بالحجر والمواد التي بنيت به، بل بموقعها التاريخي ودلالته في ذاك الزمان والظروف، لكن العقلية الرأسمالية الاستهلاكية لا تعرف ذلك. كيف نشرح لأحفادنا كيف كان آباؤنا وأجدادنا يعيشون؟ فهم ولدوا وهم مقطوعون عن تراثهم وأصلهم، وسيصدقون ما يقوله البعض في الدول العربية، ان الكويت لم تكن إلا صحراء تعبث بها الرياح قبل اكتشاف النفط وتصديره. osbohatw@gmail.com
مشاركة :