ألقى دونالد ترامب أطول خطاب لمرشح رئاسي في تاريخ مؤتمرات الحزب الجمهوري٬ مع هذا لم يساعدنا كثيًرا على أن نفهم سياسته الخارجية لو فاز. كل ما قاله فيه ترديد لما سبق أن تحدث به٬ أنه سيلغي الاتفاق النووي مع إيران لأنه يعتبر أن الولايات المتحدة الطرف الخاسر فيها٬ وأنه لن يقدم الحماية لحلفائه مثل السعودية إلا مقابل الأجرة. هاتان الركيزتان٬ لو افترضنا أنهما فعلاً في برنامجه عند الفوز٬ ليستا سيئتين. ولمست من كثيرين أنهم سعداء بموقف ترامب٬ خاصة وعيده بإلغاء الاتفاق مع إيران. من وجهة نظرهم أنه حتى لو لم يستطع إلغاءه على الأقل لن يكون متحمًسا لتطبيقه٬ ولا التقارب مع النظام في طهران. هل حًقا لدى ترامب توجه سياسي يختلف عن الرئيس الحالي باراك أوباما حيال إيران وبقية قضايا منطقة الشرق الأوسط؟ الحقيقة لا ندري عن توجهاته ونواياه واهتماماته والمحيطين به. ولا أدري إن كان أحد يدري عنها. ترامب قطع شوًطا طويلاً ومرهًقا في السباق الانتخابي داخل الحزب٬ وفاز بترشيح الحزب الجمهوري له بالرئاسة٬ ولم يبق سوى أقل من أربعة أشهر لتحسم المعركة بينه وبين منافسته٬ مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون. كلينتون نعرف الكثير عنها٬ توجهاتها وآراءها والعاملين معها٬ وهناك سجل طويل من الممارسة السياسية والمشاركات والتصريحات تساعدنا على رسم صورة لما ستكون عليه الأربع سنوات المقبلة. لا نتوقع أنها ستكون متحمسة للتعاون مع إيران٬ ولا للاتفاق النووي٬ وفي نفس الوقت لا نتوقع أنها ستعرقله٬ ربما تبني عليه لتحقيق سياسة إقليمية أوسع. نتوقع أن تكون أقل حماًسا من جورج دبليو بوش وأكثر حيوية من باراك أوباما. ترامب٬ إن صار رئيًسا٬ قد ينحاز تماًما معنا ضد إيران٬ ويعيد سياسة لجم النظام الإيراني إقليمًيا التي كانت موجودة قبل مجيء أوباما٬ ويعزز من قوة حلفائه في المنطقة. وقد يفعل العكس تماًما. ينفتح على إيران ويمنحها أكثر مما وعدها به أوباما سياسيا وتجارًيا. وعدم الوضوح في سياسة ترامب ليس غموًضا متعمًدا منه بل لأنه لم يمارس العمل السياسي في حياته قط٬ ولم يشارك في أي نشاط يمكن أن يدلنا على اهتماماته وتوجهاته السياسية حيال العالم خارج بلاده. ترامب رجل أعمال بنى لنفسه إمبراطورية في مجالاته الاستثمارية وتعامل كثيًرا مع مؤسسات وشركات ورجال أعمال من أنحاء العالم٬ بما فيهم عرب. وقال لي صديق تعامل معه: ترامب يعرف المنطقة جيًدا٬ وله شراكات كثيرة مع العرب لكنه لم يكن يهتم أبدا بالأحاديث السياسية. وهو عندما يتحدث عن المتاجرة بالقوة العسكرية الأميركية لقاء دعم أي حليف٬ مثل دول الخليج٬ لا يدري أن كل العلاقات التي دامت سبعين عاًما قامت على المصالح ولم تكن قط على علاقات شخصية أو من باب الأعمال الخيرية. أميركا كدولة عظمى لها مصالح منتشرة في أنحاء العالم٬ وهي بقدر ما تنفق٬ تأخذ أيًضا. وهذا ديدن العلاقات الدولية التي تقوم في معظمها على المصالح المتبادلة والقليل من الآيديولوجيا. ورغم ماُينعت به ترامب من توجهات عنصرية ضد المسلمين٬ وكذلك ضد ذوي الأصول الإسبانية وغيرهما٬ فإنها لا تشعر الكثيرين هنا بالقلق أو الغضب٬ بعد. فلطالما عودتنا الانتخابات الأميركية على المزايدات السياسية. وما يقوله ترامب ضد المتطرفين من المسلمين يقوله المسلمون أنفسهم بصوت عاٍل اليوم. والعالم يحتاج إلى تعاون من أجل القضاء على الإرهاب واستهداف وجوده ومصادره٬ هذه مصلحة مشتركة. نقلا عن الشرق الأوسط
مشاركة :