في سياق بحث رهانات الأصالة والمعاصرة، ونحو تأصيل قضايا التراث، يشرع العدد الجديد (34) من مجلة الثقافة الشعبية الصادرة حديثا بالتعاون مع المنظمة الدولية للفن الشعبي (IOV) افتتاحيته بعنوان بين ما هو طبيعي وأصيل وبين تصنيعه وإعادة إنتاجه، بقلم رئيس التحرير، الشاعر علي عبدالله خليفة، إذ يتطرق في هذه الافتتاحية إلى إشكالية تقليد المنتجات الطبيعية كاللؤلؤ وعود البخور، ليؤكد على ضرورة تصحيح أمور يمكن تلافي تكرسيها مقدمًا مملكة البحرين كنموذج في سياق الحفاظ على اللؤلؤ عبر وجود هيئة رقابية حكومية تفحص اللؤلؤ الوارد إلى البلاد لفرز الزائف منه عما هو طبيعي وأصيل. وفي ذات السياق، وعبر نطاق أكبر يطرح الكاتب والأديب البحريني الدكتور حسن مدن في تصديره للعدد إشكالية التاريخ الثقافي في مجتمعات الخليج، إشكالية التأصيل، إذ يبين بأن الطفرة الاجتماعية الاقتصادية مع النفط أحدثت هزة عميقة، هددت معالم الثقافة الشفهية السائدة بالاندثار قبل أن توثق أو تجمع مادتها مضيفًا كان حجم القطيعة مع الماضي كبيرًا، الأمر الذي بات يهدد المجتمع بأن يصبح مجتمعا بلا ذاكرة، لذلك فهو يدعو إلى دراسة التاريخ الثقافي لمجتمعاتنا، إلى جانب خلق استراتيجيات واضحة مدعومة من الجهات الرسمية لكتابة التاريخ الثقافي في بلدان الخليج. إلى ذلك فقد تنوعت المواضيع والدراسات والبحوث إذ تطرق الدكتور كامل فرحان صالح، من لبنان، في باب (آفاق) إلى موضوع العولمة والأدب الشعبي، (القرية) ضد القرية! مؤكدًا فيه بأن من الوهم الاعتقاد أن التحول إلى التراث انقطاع عن الحاضر، لأن الحياة لا تنقسم على ذاتها، ولا تنكر تاريخها، متابعًا من المنطقي القول إن إلغاء بعض التراث حاجة وضرورة، لكن هذا لا يعني أن يلغي المرء هويته، ويضرب صميم كيانه. وقد ضم باب (أدب شعبي) مقالين، عنون الأول بـ قراءة في أنساق الحكاية الشعبية، كتاب (حكايات شعبية) لعلي مغاوي نموذجًا للكاتب السعودي إدريس البريدي، وعنون المقال الثاني بـ المحمولات الثقافية والقيمية التراثية والمجتمعية في رواية (زناب)، نموذج مقاربة توظيف الثقافة الشعبية في الرواية البحرينية للباحث البحريني الدكتور حسين علي يحيى. وفي باب (عادات وتقاليد) الذي اشتمل على أربع مقالات، كتبت الباحثة الأردنية فاطمة أبو شقال عن الألعاب في الفترة العباسية من خلال المكتشفات الأثرية لمدينة آيلة الإسلامية، فيما تناول مقال هكذا لعب جدي للباحث السوري ياسر أبو نقطة، تفاصيل الألعاب الشعبية في سوريا، أما الدكتور المغربي إدريس مقبوب، فقد توسع في طقوس العلاج الشعبي بالمغرب، ليتبعه في ذات السياق الباحث التونسي عبد الرزاق القلسي بمقال تحت عنوان الطب الشعبي في تونس وعلاقته بجسد المرأة. أما باب (موسيقى وأداء حركي)، فقد حظي بثلاث دراسات، تطرقت الدراسة الأولى منه إلى دلالات الرقصات والأغاني البدوية في بلاد الشام للباحث السوري عوض سعود عوض، فيما لم تبتعد الدراسة الثانية عن السياق البدوي، إذ تناولت مميزات الرقص البدوي في المهرجانات الشعبية بالجنوب التونسي للباحثة صفية عزوز، وتبعها الباحث المغربي سعيد بوكرامي، بمقالة تحت عنوان الغناء الموريتاني من خلال الفنانة المعلومة بنت الميداح. وجاء باب (ثقافة مادية) بأربع بحوث متنوعة، انطلاقًا من بحث للدكتور علي صالح النجاده، بعنوان الأسس النظرية والعملية لتطور تصاميم أنوال حياكة السدو، تبعه بحث بعنوان الطابون مخبز وفرن للعائلة الفلسطينة للكاتب الأردني الدكتور سعيد الخواجة، فيما كتب الباحث اليمني محمد محمد إبراهيم عن مدرسة وجامع العامرية برداع، ليختتم الباب بمقال للروائي والباحث البحريني أحمد المؤذن عن الدريشة النافذة البحرينية، إطلالة فضول نحو المباح والمصادر. وضم باب (جديد النشر) قراءات للباحثة المصرية أحلام أبو زيد بعنوان أعمال رائدة يعاد نشرها.. ومولود جديد بين مجلات التراث الشعبي ودراسات جديدة من سوريا وقطر واليمن، فيما استعرض الباحث السوري عبد محمد بركو كتاب التغرودة الإماراتية للباحث غسان الحسن. يذكر أن مجلة الثقافة الشعبية هي مجلة فصلية علمية محكمة من قبل خبراء علم الفولكلور والعلوم الإنسانية، وتصدر بالتعاون مع المنظمة الدولية للفن الشعبي (IOV)، إذ تصدر بنسختين، مطبوعة وإلكترونية، إلى جانب كونها تترجم إلى ست لغات عالمية على موقعها الإلكتروني. المصدر: المحرر الثقافي
مشاركة :