عندما فوجئ السياسيون الأميركيون بمحاولة الانقلاب التي هزّت تركيا نهاية الأسبوع الماضي، سارعوا للتعبير عن رفضهم للأساليب غير الديمقراطية التي تبناها الانقلابيون. وعندما سئل جون كيري في ساعة متأخرة من ليلة الجمعة الماضي عن محاولة الانقلاب لحظة انكشاف أمرها، أعرب من خلال تصريح غامض عن دعمه «للاستقرار والهدوء والاستمرارية» في تركيا. وبعد ذلك بقليل، وقبل أن يتضح الموقف ويتم التعرف على المنتصر في هذه المحاولة، أصدر أوباما بياناً واضح اللهجة ناشد من خلاله كل الأطراف بدعم «الحكومة المنتخبة بطريقة شرعية في تركيا». وعندما اتضح فشل الانقلاب يوم الاثنين، ذهب جون كيري إلى ما هو أبعد مما ورد في تصريحه السابق حين حذّر الرئيس أردوغان من أن الحملة التي يشنّها ضد الانقلابيين قد تشكل بحد ذاتها خطراً على النهج الديمقراطي الذي تلتزم به تركيا. ولفت انتباه نظيره التركي إلى أن «حلف الناتو يشدد على ضرورة احترام الديمقراطية». ويمكن القول إن رد فعل أوباما كان حازماً ومتقناً، فيما كانت ملاحظات كيري حول موقف الناتو أكثر قوة مما توقعه معظم المراقبين. إلا أن من المحتمل أن تكون ردود الفعل الأميركية المقبلة أكثر ميلاً للقسوة مما ورد في التصريحات السابقة. ولو ألقينا نظرة على علاقة الولايات المتحدة بتركيا خلال نصف القرن الماضي، فسوف يتضح لنا بأن الديمقراطية بحد ذاتها لم تكن تشكل شرطاً لازماً لعضوية الناتو. وكائنا ما كان الكلام الذي قاله أوباما ليلة الجمعة، فإن التاريخ يخبرنا بأن واشنطن كانت تعثر في كل مرة على الطريقة المناسبة للتعامل مع المنتصر الذي سيظهر في أنقرة. ولكن، ومع بقاء أردوغان (المنتقم) في السلطة، فإن حلول فترة مضطربة في العلاقات الأميركية- التركية أصبح أمراً مؤكداً. إلا أن التاريخ يقدم للرئيس التركي القليل من دواعي التخوّف من أن تتخذ واشنطن موقفاً حاسماً من مسألة السلوك الديمقراطي طالما أن المصالح الأميركية في المنطقة كانت ولا تزال تعتمد على تعاون تركيا معها. تحالف قديم وتعود بداية التحالف الأميركي مع تركيا إلى الفترة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة، عندما شرعت واشنطن بزيادة القوة العسكرية لتركيا ودعمتها اقتصادياً بحيث تصبح خطاً دفاعياً متقدماً ضد الغزو السوفييتي. وفي ذلك الوقت، لم تكن تركيا دولة ديمقراطية، ولكنّ رجالات السياسة في أميركا ما كانوا قلقين كثيراً من هذه الحقيقة طالما بقي الرئيس التركي «رجلاً قوياً ومن النوع الأكثر انحرافاً نحو اليمين». وخلال حوار دار عام 1948، سأل سياسي أميركي رفيع المستوى رئيس دائرة الأمن الوطني التركية عما إذا كان يعتقد بأن السلوك غير الديمقراطي لتركيا يمكنه أن يؤثر على مواصلة الدعم الذي تتلقاه من الولايات المتحدة، كان ردّ المسؤول التركي قد أُدرج في تقرير خاص تم إرساله إلى واشنطن جاء فيه: «وضحك وقال إنه ما دامت المساعدة تأتي، فإن في وسع الولايات المتحدة أن تبقى على يقين من أن تركيا دولة ديمقراطية». وأجرت تركيا أول انتخابات ديمقراطية عام 1950. وأعقبت هذه الخطوة سلسلة من الانقلابات فاجأت المسؤولين الأميركيين كانت تتساقط خلالها الحكومات بطريقة سلمية. ونتيجة لذلك، انضمت تركيا لحلف «الناتو» عام 1952 في فترة بدا فيها مستقبلها الديمقراطي واعداً. وحظيت هذه الخطوة بمباركة واشنطن. إلا أن الأمور سرعان ما تطورت نحو الأسوأ مع الحكومة التركية الجديدة. ومع حلول أواسط الخمسينيات، عبرت صحيفة «نيويورك تايمز» عن امتعاضها من تواتر الأخبار حول التقييد المتزايد للحريات الصحفية في تركيا. وقال دبلوماسيون أميركيون إن تركيا «بعيدة جداً عن أن تمثل ديمقراطية فعلية وفقاً لمفهومنا الخاص لهذا المصطلح». ولكن، وحتى عندما تزايدت الممارسات الاستبدادية في تركيا في عقد الخمسينيات بأكثر مما شهدته من قبل، حرصت الحكومة التركية على التمسك بعدائها للشيوعية وتأييدها للولايات المتحدة. ويبدو أن هذا الموقف كان كافياً بالنسبة لواشنطن لاختلاق الأعذار لأخطائها. وبات حقها في الاحتفاظ بعضوية الناتو «أمراً» لا جدال فيه. ... المزيد
مشاركة :