تعتبر الألعاب الأولمبية واحدة من أهم الأحداث الرياضية العالمية والتي يطمح كل رياضي للوصول إليها والتنافس فيها جنباً إلى جنب مع نخبة النخبة من الرياضيين العالميين في مختلف الألعاب والمنافسات الرياضية الفردية والجماعية، وعلى الرغم من عدم منح جوائز مالية للفائزين في الألعاب الأولمبية كما هو الحال في العديد من المسابقات الرياضية الدولية الأخرى، فإن المشاركة الأولمبية هي حلم كل رياضي، كون الوصول الى هذا الحدث العالمي يعتبر لحظة من لحظات المجد والإنجاز تبقى في الذاكرة وتٌسطر في صفحات التاريخ ويفخر بها الرياضي وهي فعلاً جديرة بذلك، وبالنسبة الى كثير من الرياضيين تعتبر المشاركة في الألعاب الأولمبية تتويجا لسنوات طويلة وشاقة من الإعداد والتدريب، لذلك فهم يقبلون على المشاركة والتنافس في هذه الألعاب بقدر كبير من الحماس والرغبة في تحقيق الإنجاز لما يمثله ذلك من أهمية كبيرة للرياضي على المستوى الشخصي والوطني، ففي كثير من الدول يشار الى الرياضيين الأولمبيين كونهم أبطالاً وطنيين ورموزاً للمجتمع وقدوات للرياضيين الناشئين. إلا أن إعداد البطل الأولمبي ليس بالأمر السهل والبسيط فهو يتطلب الكثير من العمل والتوازن بين أنواع الإعداد الرياضي المختلفة، فالبطل الأولمبي ينبغي أن يصل إلى مستوى الطلاقة البدنية والتكتيكية والنفسية أثناء التنافس الأولمبي، ولا يتحصل ذلك إلا بالتمازج المتوازن بين أنواع الإعداد الرياضي البدني والتكتيكي والنفسي، وحيث تستعد البحرين للمشاركة في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016 بوفد هو الأكبر في تاريخ المشاركات الأولمبية البحرينية، فإني أرى أنه من الضروري جداً الاهتمام بالبُعد النفسي في إعداد البطل الأولمبي، لأسباب عدة لعل أهمها أن الجانب النفسي في إعداد البطل غالباً ما يتم تجاهله والتركيز على جوانب الإعداد الأخرى (البدني والتكتيكي) على الرغم من الأهمية الكبرى التي يمثلها الجانب النفسي في إعداد البطل الأولمبي وتجهيزه للتعامل مع بيئة شديدة التعقيد مليئة بالمشتتات الذهنية التي قد تؤثر بشكل كبير ومباشر على الأداء الرياضي. ولعل أبرز تحدٍ نفسي يواجه الرياضي الأولمبي هو الشعور بالقلق والقدرة على إدارة الضغوط المرتبطة بالتنافس، ويمكن تفسير ذلك نتيجة لطبيعة تقييم الرياضي للمشاركة في الألعاب الأولمبية وشعوره بأهمية المنافسات الأولمبية بالإضافة الى التغطية والتركيز الإعلامي الهائل المصاحب لهذا الحدث الرياضي العالمي وشعور الرياضي بأنه يمثل وطنه وليس نفسه، حيث إن التنافس الأولمبي هو في المقام الأول تنافس بين أوطان أكثر من أن يكون تنافسا بين أفراد، كل هذه العوامل تولد ضغوطاً على الرياضي الأولمبي وتستوجب قدرة كبيرة للتعامل معها وإدارتها بطريقة إيجابية تسهم في خدمة الرياضي وتساعده على توليد الأداء البدني الأفضل، بالإضافة الى ذلك فإن الرياضي الأولمبي غالباً ما يعاني من صعوبة في توجيه الانتباه للتركيز على الأداء بدلاً من التركيز على النتائج، والسبب في ذلك يعود إلى أن وصول الرياضي الى المنافسات الأولمبية يأتي بعد سلسلة كبيرة من عمليات الإعداد الطويلة والشاقة فهو يرى المنافسات الأولمبية فرصة لتحقيق المجد الشخصي والوطني فيدير انتباهه للتركيز على تحقيق النتائج بدلاً من التركيز على كيفية الأداء، ما قد يوقعه في أخطاء تكنيكية بسيطة (مثل البداية الخاطئة في منافسات العدو والسباحة) تؤثر على أدائه وقد تؤدي إلى خروجه من المنافسات. وهنا تبرز أهمية الإعداد النفسي والتهيئة الذهنية للرياضي في مواجهة هذه الضغوط ومساعدته على تركيز الانتباه من خلال المهارات الذهنية والتي تشمل التصور الذهني والإيحاء الإيجابي والتمركز نحو الذات بالإضافة الى تمارين الاسترخاء وتفريغ الطاقة السلبية والتخلص من القلق المثبط للأداء، وهي مهارات أساسية يجب أن يتدرب عليها الرياضي بشكل مستمر، كما يتدرب على أداء المهارات البدنية بوتيرة تصاعدية مرتبطة باقتراب موعد المنافسة، ولعله من المفيد في هذا المقام التطرق الى دراسة علمية قام بها مجموعة من علماء علم النفس الرياضي بتكليف من اللجنة الأولمبية الأمريكية وهدفت التعرف إلى أهم الخصائص النفسية التي ينبغي توافرها في البطل الأولمبي، وشملت رياضيين ومدربين شاركوا في ثلاث ألعاب أولمبية، حيث وجدت هذه الدراسة أن أهم الخصائص النفسية التي ينبغي توافرها في البطل الأولمبي هي القدرة على التعامل مع الضغوط النفسية والقدرة على التعامل مع مشتتات الانتباه، ثم قدرة الرياضي على الشعور بالسيطرة، ثم الوثوق بالقدرة على توليد أفضل أداء في المنافسة الرياضية. إن الإعداد النفسي للرياضي لم يعد أمراً ترفياً، بل بات جزءا أساسياً في صناعة البطل الرياضي، فكما أن المدرب يحاول من خلال عمليات التدريب أن يصل بالرياضي إلى أقصى القدرات البدنية والمهارية والتكتيكية التي تساعده على تقديم الأداء الرياضي الأمثل، فإن الرياضي بحاجة أيضاً إلى التدرب على مهارات إدارة الضغوط وتحمل الاستثارة العالية والتعامل الإيجابي مع القلق وغيرها من الجوانب النفسية والذهنية المرتبطة بطبيعة المنافسة الرياضية. أستاذ علم النفس الرياضي المساعد جامعة البحرين
مشاركة :