لم يثن وابل الأزمات الذي ألمَّ باقتصاديات الدول الخليجية من عزيمتها في الصمود أمام كافة العقبات وبذل كلَّ مافي وسعها لتحافظ على قوة ومتانة جميع القطاعات الاقتصادية فيها، ولأن قطاع الرعاية الصحية يُعد ركيزة حيوية في دول مجلس التعاون الخليجي، اعتمدت الحكومات الخليجية عددا من السياسات والخطط الجديدة المتمثلة بزيادة الإنفاق والاستثمارات فيه لرفع التحديات التي يشهدها هذا القطاع، إلا أن واقع قطاع الرعاية الصحية في المنطقة لازال يشير إلى أنه دون المستويات المحددة من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وأن الإنفاق السخي الذي تبذله عليه دول الخليج لا يتناسب مع المردود من الخدمة الصحية المقدمة للأشخاص في هذه المنطقة، إلى جانب النقص في عدد المتخصصين بالرعاية الصحية، لاسيما وأن معدل عدد الأطباء في دول مجلس التعاون الخليجي هو 17.7 طبيب لكل 10 آلاف شخص فقط وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، وهو رقم منخفضٌ للغاية! وبحسب تقرير صادر عن الماسة كابيتال فإنه من المتوقع أن يرتفع الإنفاق على هذا القطاع بنسبة تقدّر بـ 4.4 في المئة سنوياً، للوصول إلى مبلغ 60 مليار دولار بحلول العام 2020. سخاء الإنفاق على قطاع الرعاية الصحية في الخليج يتجلى من خلال القفزة التي يصل إليها عند مستويات خمسة وخمسين مليار دولار في العام 2020 مع زيادة معدلات المشروعات الطبية المقامة بنحو 9% سنويا، حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى ان هناك مئتي مستشفى جديدة ستُبنى في دول الخليج تتسع لـسبعةٍ وعشرين ألف سرير خلال السنوات القليلة المقبلة، وهي توسعات ضرورية لمعدل نمو سكاني خليجي يبلغ 3% سنويا ومعدل مرتفع سيقفز بعدد سكان الخليج لعتبة 53 مليون نسمة عام 2020 إضافة لأعداد المغتربين العاملين في دول المنطقة الست. ومع ذلك، يجد مسؤولو قطاع الرعاية الصحية في دول الخليج أن عليهم بذل المزيد من الجهود لتقديم الأفضل في ظلّ أسوأ الظروف، فمع ضيق الأحوال المادية، قد تؤدي زيادة كفاءة الرعاية الصحية في المنطقة إلى نتائج أفضل في بعض المجالات، كما أنها قد تسهم في تخفيض أعداد المرضى الذين يضطرون للسفر إلى دول أوروبا وشرق آسيا للحصول على علاج أفضل وربما أرخص، وبذلك لايسعنا سوى انتظار ما سيقوم به القائمون على هذا القطاع من اغتنام للفرص وتحويل الإمكانيات المتاحة إلى نتائج ملموسة.
مشاركة :