موسم الصيف بكل تأكيد موسم سفر وسياحة الهدف الأساسي منه تغيير الجو والتعرف على بلاد وثقافات وأماكن جديدة أو الراحة والاستجمام. يتفق الكثيرون على أن السفر فن ولن أدعي أنني أتقنت هذا الفن بعد ولكنني ما زلت في طور التعلم والاستكشاف والتجربة. مع ذلك وددت أن أشارككم تجربتي لعلها تفيد غيري أو يجد فيها شيئا ممتعا. يبدأ السفر لدي بفكرة أو خيال وقبل الرحلة بشهور أحيانا. لإحدى الرحلات استعددت بشراء تذكرة للنرويج قبل خمسة أشهر من موعد السفر وذلك لأنني كنت بحاجة ماسة لإجازة إلا أن أقرب إجازة كانت بعد تلك الفترة. حملت تذكرتي معي في حقيبة اليد دوما لأتذكر كلما فتحتها أن الفرج قريب. في تلك الفترة كانت فكرة السفر هي آخر ما أسلي به نفسي قبل النوم. فترة الاستعداد لعلها أكبر محدد لنجاح أي رحلة. شاءت الصدف أن كان لدى رواية تدور أحداثها في النرويج وتعرفت من خلالها على الكثير من العادات والتقاليد والأماكن والمعلومات العامة عن البلد. كذلك استعنت بتطبيق الانستغرام لمتابعة الحسابات السياحية. كلما وجدت مكانا أعجبني سجلته في ملاحظاتي وحفظت موقعه على خريطة قوقل بنجمة صفراء. لفترة طويلة لم أرغب بتحديد معالم الرحلة بشكل واضح. اكتفيت فقط بتثبيت جزئيتين للرحلة أولاهما أن الوصول والمغادرة للنرويج عن طريق العاصمة أوسلو والثانية هي سباق نصف ماراثون سجلت المشاركة فيه على ضفاف بحيرة هورنيندالسفاتنيت (Hornindalsvatnet). هذه كانت المحددات الوحيدة في أول الأمر إلا أنه بعد أسابيع من القراءة والبحث وتحديد المواقع بدأت معالم الرحلة تتضح شيئا فشيئا في خطة مرنة. كان الاختيار الأول للبلد وكانت المواصفات المطلوبة أن يكون بلدا لم أزره ومعلوماتي عنه قليلة وصيفه باردا. كلما تعمقت في القراءة عنه أكثر زاد إعجابي وحماسي. فترة الترقب الطويلة بدلا من أن تكون مملة أصبحت ثرية. لدى الألمان كلمة تصف هذا الشعور بدقة وهي (vorfreude) أي فرحة ما قبل الحدث أو فرحة الترقب. عند السفر لا أدع البلد يحدد لي مسبقا ما يفترض بي كسائحة أن أقوم به بل أحدد عددا من الأنشطة التي أود ممارستها ثم أبحث عن أفضل الأماكن للقيام بها. أحاول قدر الإمكان أن أجمع بين المشاركة الفعلية في نشاط وبين ما يتطلب التجول والنظر فقط. أعرف مثلا أن جزءا من الرحلة يجب أن يكون رحلة بالسيارة وكوني سعودية و(في رأسي حب ما طحن) لن يقود السيارة غيري وتكون هذه فرصة ممتازة لتجربة ما أحب من السيارات. النرويج من الدول الممتعة في القيادة. لديهم ١٨ طريقا سياحيا وطنيا محددا حول معالم طبيعية خلابة ومناظر آسرة وعلى أطراف هذه الطرق مطلات ذات تصاميم جذابة وخدمات تحترم المكان ولا تحاول أن تغطي عليه. الطرق الصغيرة الملتوية صعودا ونزولا في الجبال ومرورا بشلالات وبحيرات وأنهار وثلوج في الصيف كانت من أفضل الطرق التي مرت علي. ملساء كأن أحدا دهن خبزة بزبدة وتخطيطها وزواياها مدروسة بعناية. مع كل لفة كنت أفكر بإرسال خطاب شكر لمهندسي الطرق لديهم. كوني معمارية يكون للعمارة نصيب في كل رحلة سواء كانت تقليدية أو حديثة. وأستعد قبل زيارة المباني بالتعرف على فلسفة التصميم وتاريخها. منظمة اليونيسكو تصدر قائمة للمباني والمواقع المدرجة في قائمة الإرث الثقافي العالمي. هذه المباني تكون نادرة ومميزة وغريبة في كثير من الأحيان حيث تعطي لمحة عن حضارات وشعوب مضت. ندرة هذه المباني وأعمارها تجعلها مهددة بالفقدان ولذلك تولى لها عناية خاصة. أحرص على زيارتها دوما كونها فريدة من نوعها. وللموسيقى نصيب من الزيارة فبعض المدن مثل بيرغن (Bergen) تقيم مهرجانات موسيقية في الصيف في أماكن مميزة ودار الأوبرا في أوسلو تقيم عروضا موسيقية على سطحها المصمم باحترافية فنية من قبل شركة (Snøhetta) وهي نفسها الشركة التي صممت مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي في الظهران الذي ننتظر انتهاءه بفارغ الصبر. حضور العروض التي لا تتطلب معرفة لغة البلد هي من أمتع التجارب السياحية والتي تكون ذكرياتها شخصية وفريدة ولا تتكرر. (يتبع)
مشاركة :