ورطة الإعلام التقليدي الكبرى وخاصة الصحافة، ليست منافسة الإعلام الجديد له وانتزاع مساحة كبيرة من التأثير على الجمهور، فإعلامنا التقليدي لم يعرف يوما ثقافة المنافسة، ولم تمر في تاريخه، فالمتابع لجولاته وصولاته الصامتة يكاد يصل الى قناعة بان صفة التقليدية ولدت معه ولم تأت بسبب ظهور وسائل الإعلام الجديد، فتقليديته كانت سندا له على العطاء غير المنتج والمريح، فقد اسس مهنيته بانه عندما لا يقول شيئا يكسب كل شيء، الا عندما دخل علينا الإعلام الجديد فحرك به شيئا من المهنية التي كادت ان تموت في مطابعه واستديوهاته. الإعلام الجديد له فضل كبير على الإعلام التقليدي فأغلب هوامش الحرية التي يتمدد بها اليوم هي بسبب هذا الوافد المشاغب الجديد، فمن كان يعتقد ان شبكات التواصل الاجتماعي اثرت سلبا على الإعلام التقليدي - كوسائل تنقل هموم الناس وحاجاتهم - عليه مراجعة اعداد الصحف القديمة لكي يقر بالفضل لأهل الفضل. الورطة الاخرى التي يمر بها الإعلام التقليدي هي ان وعي الجمهور العادي تجاوزه بمسافات بعيدة، ولم تسمح له تقليديته باللحاق بهذا الجمهور فائق السرعة والذكاء، فبدلا من ان يطور اسلوبه في النقاش هرب من ساحاته محملا بأثقال وضعها هو لنفسه، هذه القناعات خلقت بيئة إعلامية تقليدية يتحرك بها اشخاص اكثر تقليدية لتحقيق مصالح تقليدية، هذه القناعات قزمت الوعي العام بمحاولات تسعى ان تبعده عن اهتماماته ولكنها لم تستطع، فقد امتلك هذا الوعي وسائل تعبيره وأصبح ينظر للإعلام العجوز أو العاجز بشيء من الشفقة والتحسر على ضياع الجهد والمال. الإعلام التقليدي ليس فقيرا ماليا بل فقير في اهتماماته العامة، ولن يتجاوز تقليديته الا اذا عرض نفسه بأمانة ومسؤولية كبيرة على التحديات التي يمر بها المجتمع، واقتنع بقراءة التحديات بوعي العشرين مليون مواطن الذي يمثله، التحدي كبير وليس من المعقول ان يكون كل الرهان على وعي المواطن لتحقيق المكاسب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فالمواطن لا يطالب إعلامه بمزيد من الحريات المتجاوزة لمصالح الوطن العليا بل يريد منه ان يكون ممثلا لهذه المصالح، والعجز عن ذلك لن يؤدي الا الى طريق واحد لا يلتقي به خطاب إعلام البلد مع جمهوره، وتلك كارثة حقيقية إن لم يتم تداركها اليوم فسوف نشوه عاطفتنا الوطنية ونتوزع على إعلام القبائل الاخرى، مثل إعلام التيارات الدينية التي ليس جميعها شر مطلق ولكن جميعها لا تؤمن بأن لها حدودا وطنية عليها الا تتجاوزها. الساحة الإعلامية في شبكات التواصل الاجتماعي مسيطر عليها بفتاوى الخوارج والاخوان، ودروس الولي الفقيه، خارج هذه الأطر لن تجد تفاعلا جماهيريا كبيرا، واعادة الاعتبار لخطاب إعلامي يمثل الوطن وهويته ان لم تكن هي وظيفة الصحافة الاولى او الإعلام التقليدي فسوف يأخذ إعلام التيارات الدينية الجديد جمهورنا الى معاقل الكراهية والتكفير. مازالت الفرصة أمام صحافتنا سانحة لتوجه أجندة الإعلام الجديد نحو مصلحة الوطن، وان عرفت الصحافة الطريق فسوف تعرف كيف تنافس الإعلام الجديد وسوف تكسب. لأن الإعلام الجديد الذي نستخدمه اليوم ليس به جديد الا تطبيقاته التقنية، اما المضمون فكله فزعات وثارات جماعة على جماعة، وتيار على وطن.
مشاركة :