جميل أن تستضيف نواكشوط قمة الدول العربية. مجرد قبول أعضاء الجامعة دعوة موريتانيا، هو في حد ذاته تكريم يليق بشعب يكاد يُجمع أهل ما بين المحيط والخليج على أنه يتصف بالبساطة، وباستعداده الفطري لمدّ بساط الكرم لأي ضيف، رغم تواضع ما باليد. آية ذلك أن الموريتانيين لا يزالون بين قليل من ناس هذا الزمان، الذين ينطبق عليهم القول إنهم «... يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة». شكرًا لأهل «بلد المليون شاعر»، كما سمتهم قبائل ديوان العرب. وفضلاً عن استضافتكم قمة أشقائكم، عندي ما أضيف في سياق ذكر السجل العربي لخير بلدكم وفضله، خصوصًا ما يتعلق منه بالشأن الفلسطيني. تفسير ذلك بسيط، وخلاصته أن نواكشوط يحق لها القول على مسمع من الملأ إنها واحدة بين قلّة من عواصم العرب لم تحشر أنفها فيما يخص الفلسطينيين، وما أصرت الأحزاب الموريتانية أن كلمتها يجب أن تكون مسموعة، أو، وهذا أفظع، أنها الكلمة الفصل، الواجب الانصياع لها، من جانب الفصائل الفلسطينية. كلا، لم يحصل تدخل موريتاني من هذا القبيل، والأرجح أنه لم يقع ولو على نحو خجول أو بزعم النصح. ولا بد أن يلفت نظر المدقق، أن أنظمة الثوار العرب، التي رفعت شعار تحرير فلسطين كانت سباقة في دق المسامير منذ سنة 1965، التي سرعان ما صارت خناجر تطعن الجسم الفلسطيني نفسه، ولا بد أن مؤرخي مرحلة عِقدي سبعينات وثمانينات القرن الماضي الفلسطينية، سوف يسجلون «فضل» أخطر الانشقاقات داخل البيت الفلسطيني لنظامين على وجه التحديد، هما نظاما حزب البعث في بغداد ودمشق. الأول دعم انشقاق المدعو صبري البنا (أبو نضال) على القيادة الأم لحركة «فتح»، ثم ساند تطور شرورها على نحو طال قادة فلسطينيين واغتال سياسيين عربًا. والثاني قدم كل الدعم المطلوب لتمكين تنظيم «الصاعقة»، وتنظيمات انشقاقية أخرى، من فرض إرادة نظام دمشق على إرادة منظمة التحرير الفلسطينية، خصوصًا فوق أرض لبنان، وبشكل أدق في مخيمات اللاجئين، ولو بحثت في بيانات كلا النظامين ومواقفهما الرسمية إزاء فلسطين، فسوف تغرق في محيطات نصوص وبلاغة سياسية معتبرة، تلخصها جملة لم يعرف إخلاص النيّات طريقًا لها: «عودة فلسطين أولاً». بل إن «خناقة فكرية» نشبت بين ثوار النظامين منذ ستينات القرن العشرين دارت معاركها حول شعارين: هل «الوحدة طريق العودة»، أم «العودة طريق الوحدة»، فيما التطبيق العملي يباعد ما بين اللاجئ الفلسطيني وعودته مسافات تتلوها مسافات، إن أرضًا أو زمنًا؟ مطلع هذا الشهر، شهد مقر الجامعة العربية بالقاهرة انعقاد الدورة السادسة والتسعين (96) لمؤتمر المشرفين على شؤون اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة. وإذ طالعت الخبر، خُيل لي أن رقم الدورة بلغ الستين بعد التسعمائة (960)، وأنها ستنظر في أحوال أحفاد أحفادي من لاجئي فلسطين. سارعت أصرف وهم التخيّل وأعود للواقع. تذكرت ضرورة النظر للنصف الممتلئ من كوب المُعترين، حملة بطاقات تموين وكالة إغاثة لاجئي فلسطين. لكني سرعان أيضًا ما تساءلت، كيف تحمل الدورة رقم (96) فيما عمر النكبة لم يتجاوز بعد الثامنة والستين (68)؟ أتت الإجابة سريعًا: إنه جهد محموم مبذول من جانب الدول المضيفة حرصًا على أوضاع اللاجئين وراحتهم. الشكر الجزيل مستحق، قلت، ثم انتبهت من فوري لحقيقة تستحق الانتباه هي أيضًا، خلاصتها أن الدول المضيفة للاجئي فلسطين تكاثرت عليها هموم لاجئين فروا إليها من أصقاع أخرى، وتحديدًا من سوريا والعراق، بعضهم انتهت أحوالهم إلى أسوأ من حال لاجئي فلسطين بكثير. تُرى، هل ثمة ما يدعو للتدبر، التأمل، التفكّر؟ ربما الأفضل أن أدع الإجابة لغيري.
مشاركة :