يعكس تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) 2013، والذي صدر نهاية الشهر الماضي، الكثير من الحقائق المهمة التي تستحق التوقف عندها. فالتقرير يشير إلى أن الأزمة العالمية قد أثرت على تدفقات الاستثمارات المباشرة في العالم مما أدى إلى تقلصها خلال العام الماضي إلى 1,35 تريليون دولار، أي بنسبة 18%. ويعود هذا بالدرجة الأولى إلى انخفاض تدفق الاستثمارات على الدول المتطورة اقتصادياً. ففي هذه المجموعة تراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 561 مليار دولار. أي أنها تقلصت بنسبة 32% بالمقارنة مع عام 2011. ومن ضمنها بلدان الاتحاد الأوروبي التي تراجع تدفق الاستثمارات عليها إلى 259 مليار دولار. أي بنسبة 42%. ومثلما نرى فإن الاتحاد الأوروبي هو بؤرة انعدام النشاط الاقتصادي العالمي. وإن هذا الاتحاد هو الذي يجر الاقتصاد العالمي معه إلى الركود. فمنذ عام 2011 وحجم الأموال الخارجة منه تزيد على حجم الأموال المتدفقة عليه. وهذا أمر في غاية الأهمية بالنسبة لنا. فمثلما نعلم فإن التهديدات التي تواجهها جهة معينة تخلق فرصاً للجهات الأخرى. ولذلك فإن الفرصة، كما يبدو لي، متاحة لنا في كلا الاتجاهين: الأول السعي إلى تملك أكبر قدر ممكن من الأصول الثابتة الجيدة في أوروبا. والثاني هو العمل على جذب أي رأس مال أوروبي لا يعجبه توظيف نفسه في القارة العجوز. ولكن هذان الاتجاهان ربما يتطلب اتخاذ سياستين مختلفتين. فعلى صعيد تصدير رؤوس الأموال إلى الاتحاد الأوروبي فإنه يفترض أن تكون لدينا جهة استشارية متخصصة بمتابعة الأصول الأوروبية القوية التي انخفضت أسعارها جراء الأزمة من أجل شرائها أو مشاركة أصحابها فيها. وهذا ما تفعله الصين وروسيا وبعض البلدان الخليجية. واعتقد أن هذا التوجه سوف يعود علينا بالمنفعة. فالاستحواذ على بعض الأصول الأوروبية من شأنه أن يؤدي من جهة إلى تنويع استثماراتنا في الخارج والتي يتركز معظمها في الولايات المتحدة. من ناحية أخرى فإن هذه العملية سوف تؤدي إلى زيادة محصلتنا من الأصول الثابتة على حساب الأصول النقدية. وهذا أمر مهم في عالم يعيش إضرابات مالية حادة. واعتقد أن توجهنا لتصدير رؤوس أموالنا إلى الخارج يفترض ألا يكون على حساب تشجيع رؤوس الأموال الأجنبية المباشرة على التدفق إلينا. فنحن في حاجة إلى رؤوس الأموال تلك من أجل زيادة الأصول الثابتة ورأس المال الثابت. فالاستثمار الأجنبي في الاقتصاد الحقيقي سوف يساعدنا في حل العديد من المشاكل التي نعاني منها كالحد من البطالة والمساهمة في تنويع احتياطاتنا من العملة الصعبة. ولكن حتى تتدفق رؤوس الأموال الأجنبية المباشرة فإن الأمر يتطلب منا جهد جهيد. فرؤوس الأموال لن تتدفق علينا وتترك دبي أو غيرها إلا إذا كانت الظروف الاقتصادية والاجتماعية في بلدنا أفضل. فنحن يفترض أن نعوض على من ينوي توظيف أمواله في بلدنا عن سوء أحول المناخ الطارد بإنشاء مناخ استثماري جذاب منافس لبقية جيراننا على الأقل.
مشاركة :