القرم والمتغيرات الاقتصادية - د. عبدالله بن عبدالمحسن الفرج

  • 3/29/2014
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

مثلما رأينا فإن روسيا لم تخضع للضغوطات التي مورست عليها بخصوص شبه جزيرة القرم. وهذا ما كان له أن يتحقق لو لا أمران اثنان على الأقل. الأول القدرة العسكرية. فروسيا في هذا المجال المنافس الأول للولايات المتحدة باعتراف الأخيرة. أما الأمر الثاني فهو تغير موازين القوى الاقتصادية في العالم. وهذا ما يهمنا في هذه السطور. فقد لا حظنا المساعي التي بذلتها الولايات المتحدة للضغط الاقتصادي على موسكو وتحشيد الاتحاد الأوروبي من أجل الانضمام إليها في هذا الشأن. ورغم ذلك فإن روسيا ليس فقط لم تتراجع وإنما ردت على إجراءات المقاطعة بحظر بعض الشخصيات الأمريكية والكندية من دخول أراضيها. فما الذي يجعل موسكو لا تكترث بالتهديدات الأمريكية والأوروبية؟ طبعاً هناك من سوف يكتفي بالإشارة إلى ضعف الرئيس أوباما. ولهؤلاء أقول أن روسيا ضربت جورجيا حليفة الولايات المتحدة وفصلت عنها أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا في عهد الرئيس بوش وليس أوباما. أعتقد أنه من أجل الإجابة على السؤال المطروح نحتاج إلى إلقاء نظرة ولو سريعة على التغيرات التي طرأت على الاقتصاد العالمي قبل بداية الأزمة الاقتصادية عام 2008 وبعدها. ففي عام 2007 كان الوزن النسبي للاقتصاد الأمريكي هو 25% من الاقتصاد العالمي. أما في عام 2011 فإن هذه النسبة قد تراجعت إلى 19% والاتحاد الأوروبي من 22% إلى 20%. وعلى العكس فإن الوزن النسبي لاقتصاد الصيني قد ارتفع خلال الفترة المشار إليها من 9% إلى 14% لتتبوأ المركز الثاني. كذلك الهند فإن وزن اقتصادها النسبي قد ارتفع خلال الفترة المذكورة من 2% إلى 6%. أما الاقتصاد الروسي فقد احتل في عام 2011 المركز السادس. وفي عام 2012 تقدمت روسيا، حسب تصنيف البنك الدولي، إلى المركز الخامس في العالم متخطية بذلك كافة البلدان الأوروبية بما فيها المانيا. والصين والهند وروسيا هي العمود الفقري لمجموعة بريكس التي نددت بسياسة المقاطعة. إن هذه التغيرات الذي طرأت على هيكل الاقتصاد العالمي هي التي تحول بين البلدان الغربية وبين أمكانية اتخاذ اجراءات عقابية عالمية ناجحة بمفردها. خصوصاً في ظل الوضع الاقتصادي العالمي الهش الذي يحتاج إلى محفزات وليس مثبطات. فمقاطعة خامس أكبر اقتصاد في العالم أمر مضر لاقتصاد البلدان المقاطعة نفسها. وبالذات عندما تقف ضد ذلك الصين والهند التي يحتل اقتصادها الترتيب الثالث في العالم. فكندا وايطاليا اللتان تعتبران من ضمن مجموعة البلدان السبعة من الصعب أن يأخذهما أحد على محمل الجد ووزن اقتصادهما مجتمعين لا يصل إلى حجم الاقتصاد الهندي. فباستثناء المانيا التي يحتل اقتصادها المركز السادس في العالم فإن ليس هناك أحد في الاتحاد الأوروبي، بما فيه بريطانيا وفرنسا، من يملك وزناً اقتصادياً يمكنه من الضغط على خصومه. لقد تغير العالم في السنوات الأخيرة بصورة كبيرة. فمركز الثقل الاقتصادي ينتقل بشكل تدريجي إلى الجنوب والشرق. ولذلك فحبذا لو يسلم العالم القديم بهذه الحقائق. فمكابرة الدول الصناعية القديمة وإصرارها على لعب نفس الدور الذي كانت تلعبه قبل عام 2008 قد تحول إلى عبئ. بل إنه اصبح بحد ذاته واحداً من اسباب المشاكل والتوترات في العالم.

مشاركة :