لطالما احتضنت حكومات الدول بين جنباتها مسؤولين وذوي مناصب قيادية يمارسون أقذر لعبة سياسية ترفع شعار «إن استمرت الحكومة فأنا معها، وإن انهارت فأنا حليف المنتصر»، وهؤلاء عادة يصورون تصرفاتهم المريبة لقادتهم كمواقف لامتصاص غضب المعارضين، فيما هم في الحقيقة يبنون وبشكل مستمر جسور التواصل مع خصوم الحكومة، إما نتيجة خوفهم على مستقبلهم، أو إيمانهم بمبادئ الخصوم وأهدافهم نفسها. دول الخليج كغيرها ليست في مأمن عن تسلل هؤلاء لبعض الوظائف والمناصب القيادية والحساسة ليعملوا بشكل خفي ضد توجهات دولهم، خصوصاً في ما يتعلق بجوانب الإصلاحين الاجتماعي والاقتصادي، ولعل الظاهرة الأبرز في هذا السياق هي ظاهرة المسؤول ذي التوجه الحزبي، سواء كان منتمياً بشكل سرّي لتنظيم معين كـ«الإخوان»، أو متعاطفاً مع التيارات المتشددة التي تحارب الإصلاحات وتصورها كخطوات «تغريبية» تستهدف عقيدة وعادات المجتمع. استخدام الشعارات الدينية كحصان طروادة لمحاربة الحكومات ظاهرة قديمة قدم الدين نفسه، فكثيراً ما أريقت الدماء ودُمرت الدول لغايات سياسية بعيدة كل البعد من الدين، والمثل الشعبي يقول «الدين طير حر من صاده صاد به»، ولذلك فإن وجود مسؤولين يتبنون فكر التيارات المتشددة هو خطر حقيقي على الدولة والمجتمع بأكملهما، وبالطبع يمكن معرفة هؤلاء بسهولة إن جد العزم على تنظيف مفاصل السلطة منهم. الحسابات المبنية على حسن النيات والظنون لا تأتي بالخير دائماً، وعلى القيادات الخليجية التي شاهدت كيف استغلت المجموعات الدينية الاضطرابات في العالم العربي وزيفت الشعارات الدينية لكسب تعاطف الدهماء والسذج في الطريق إلى السلطة، أن تعي أنها أمام خطر يحتم عليها تنظيف مفاصل سلطاتها من عناصر الطابور الخامس، وهو في الحال الخليجية طابور موالاة «التشدد الديني» المنتشر في بعض الوزارات والإدارات والجامعات، وعليها أن تبدأ بالكبار نزولاً إلى الصغار وليس العكس، فالخطر الذي يشكله مسؤول كبير يتبنى بشكل سري أجندة المتشددين أكبر بكثير من الخطر الذي يشكله موظف الأرشيف الذي يحمل الفكر نفسه. هناك جانب مهم أيضا لا بد من الالتفات إليه، وهو المتعلق بصناعة نجوم الفضائيات وشبكات التواصل من دعاة يُظهرون السماحة والموالاة لقيادات الدول ويبطنون الخصومة الشديدة لهم، ويعملون بلا كلل أو ملل لتحريض العوام في الشوارع الخلفية والغرف المغلقة ضد دولهم، ويدعمون بشهرتهم وجماهيرهم أساطين التشدد في تنفيذ أجنداتهم المشبوهة، وهؤلاء موجودون، مع الأسف، ولا تزال الأحداث تكشف عوراتهم الفكرية واحداً تلو الآخر، لكن بعد أن يصبحوا رموزاً وأبطالاً في أعين «الأتباع».
مشاركة :