في كتابه سر المعبد، وفي عدد من لقاءاته الإعلامية، كشف الإخواني السابق الدكتور ثروت الخرباوي عما أسماه بفقه التمكين في فكر الجماعة، والذي يشبه إلى حد بعيد فكرة التقية، وفي حديث له مع mbc مصر توقف الخرباوي عند ظاهرة تقبيل يد المرشد كأحد مظاهر تقديس الأشخاص، واصفا تمسك الجماعة بآلية الصندوق الانتخابي وإسقاط كل ما سواها من الآليات الديمقراطية بأنها مجرد عملية انزياح لفقه التمكين، على اعتبار أن النزوع إلى تبجيل موقع المرشد لا يمكن أن يتساوق مع فكرة الديمقراطية التي تتساوى فيها كل الأصوات، الغني والفقير، أستاذ الجامعة وعامل المصنع، المتعلم والأمي، وهو أيضا ما كشفت عنه تصرفات وزير الإعلام في حكومة مرسي أثناء ردوده على بعض الصحافيين، والذي لم يستطع أن يستوعب فكرة أن يكون هنالك رأي مخالف لما يطرحه. يضيف الخرباوي إلى أنك قد تحضر درسا للجماعة يمتد لأربع ساعات فلا تكاد تسمع قال الله وقال رسوله بقدر ما تسمع قال الإمام البنا، وقال التلمساني، ما يشي بفكرة التقديس التي تقوم على مبدأ السمع والطاعة للمرشد بشكلها المطلق. الإخواني المنشق عن الجماعة أيضا كمال الهلباوي تناول نفس العناوين تقريبا، وسلط الضوء على محاولة الجماعة الجمع بين الشتيتين، ومقامرة اللعب بالبيضة والحجر، ولعل الشيء الوحيد الذي نجحت فيه الجماعة هو قدرتها على تصوير وتسويق النزاع مع خصومها السياسيين على أنه صراع بين الحق والباطل، صراع بين الإسلام والكفر، أو بين الدين والعلمانية، وهي الفكرة التي سيطرت على أذهان العامة، ومكنت الجماعة من الاستمرار في الحشد رغم كل إخفاقاتها المزرية على صعيد العمل السياسي. في الجانب الآخر شن الدكتور يوسف القرضاوي مساء الأحد الماضي هجوما لاذعا على الحكومة الانتقالية عبر برنامجه الشريعة والحياة الذي تبثه قناة الجزيرة القطرية التي تتبنى موقف الجماعة، ووصفها بحكومة الخوارج والانقلابيين حيث اختزل كل مرتكزات الشرعية الديمقراطية ووضعها في صندوق الاقتراع وأسقط كل ما عداها. وبالتالي لا أحد يعرف كيف يمكن الربط بين هذه الوقائع وفهم هذه الجماعة للنظام الديمقراطي الذي ليس من بين أبجدياته بالتأكيد تقبيل يد المرشد، ولا تقليم أظافر الإمام. وهنا أنا لا أعيب على الجماعة توظيفها للمناورات السياسية لصالح بقائها أو استيلائها على السلطة، فهذا حق متعارف عليه في اللعبة السياسية، غير أن إضفاء الغطاء الديني على تلك المناورات، ومن ثم العبث بطهارة قيم الشارع الإسلامي لصالح هذا المشروع أو ذاك، هو ما يجب أن تستنكف عنه الجماعة، ليس فقط حماية لمصداقيتها، وإنما صيانة لأدبيات وأخلاقيات وقيم الدين.. لأن خطر إفاقة الناس على هذا النوع من التضليل لا يزعزع موقع الجماعة أو يحطم مستقبلها السياسي وحسب، وإنما قد يقود إلى ما هو أعظم وأخطر وهو تشويه الفكر السياسي الديني، وهذا في تقديري هو الوزر الأكبر..
مشاركة :