حينما نطرح قضية تلامس المكون الرئيسي لهوية المواطن أو ماهية المواطنة، لنخوض في أعماق الفكرة الوطنية ونعيد تجديد ثقافتها من رؤية مختلفة. حيث تكون هذه الرؤية متوافقة جداً مع رؤية 2030 ، بل إذا بالغت وقلت هي الأساس لها. والمواطن لا يشعر بدفء وطنه إلا من خلال الاهتمام به، وإذا تعزز هذا الجانب نكون محصنين من مخالب الإرهاب وبراثنه. وبنفس الجانب سعدت كثيراً عندما تمت دعوتي من مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني لحضور ورشة عمل تمت يوم الإثنين من هذا الأسبوع برئاسة معالي فيصل عبدالرحمن بن معمر أمين عام المركز، ونائبه الدكتور فهد سلطان السلطان، وكانت الجلسة تضم نخباً من كتاب ومثقفي مدينة الرياض. ومحور الجلسة عبارة عن طرح قضية الحوار وتفعيله أكثر من قبل وبشكل متجدد؛ لأن التجديد هو مطلب لكل فرد يعيش تحت ظل سماء وطنه. حقيقةً تميزت الجلسة بأفكار جلية وواضحة تحاكي الظواهر الاجتماعية بما فيها محور الصراعات الفكرية الحالية؛المفتعلة في الظاهر ولكن في جوهرها يجمعها الدين والوطن، بالإضافة للإنسانية إذا شملنا كل العالم. وكان أهم محور هو تثقيف المجتمع السعودي على ممارسة الحوار وتقبل الاختلاف بمحبة والبعد عن ألوان الكراهية، وتلك الكراهية لا تعطي نتيجة حتمية بل تزيد الانشقاق وتفكك كل محيط سواء كان أسرياً أو اجتماعياً. ولكن لا مناص من التخلص من هذه الغريزة السلبية لأنها مكون طبيعي في النفس وهو أصعب اختبار وضعه الله في الإنسان. حيث إذا ذكرنا المحبة نذكر الكراهية كذكر الموت والحياة أو ذكر الوجود والعدم، وكل المصطلحات هذه في طرفي نقيض مع بعضها؛ خاصة المحبة والكراهية متضادة جداً وفيها جدلية مؤثرة في الإنسان مع نفسه أو مع غيره. وهذا الأمر لا يستطيع الإنسان التخلص منه إلا بواسطة التسامح مع النفس أولاً ومع الآخر سواء كان أخاً أو صديقاً أو جاراً.. الخ. لأن الاختلاف سنة كونية وأيضاً في نفس الوقت توجد فواصل وتشابه بين الأجناس، وعندما يتسامح المرء مع ذاته ويتصالح معها يسهل عليه التسامح مع الآخرين وبهذا يُحقق الاعتدال في جل حياته وبهذا الشأن ينجح في أصعب اختبار له في دنياه. وهنا أوضح أن تعزيز الكراهية أو انتشارها وتشبثها في الإنسان ناتج عن قله الثقافة والوعي، حيث لو تمكن كل فرد أو مواطن بالاطلاع على ثقافات المجتمعات الأخرى بلا قيود يزداد يقيناً ونوراً، والأجمل أن يُركز على الإيجابيات من معتقدات وعادات شعبية خاصة تلك التي تتشابه بعاداتنا. ونحن كمجتمع سعودي من كافة مناطقه المترامية؛ فيه الكثير من التقارب أكثر من الاختلاف والذي غالباً يسببه البعد الجغرافي وهو نمط طبيعي من أنماط العزلة الثقافية الجزئية لأن ثقافتنا هي بالأساس واحدة. إذاً إذا وضعنا إستراتيجية جديدة تقوم بدورها على كل المجالات الثقافية المتنوعة وتكمن أهميتها ودور نشاطها في جهات التعليم وفي المراكز الثقافية والأدبية بالإضافة إلى الأنشطة الشعبية، والأمر يحتاج لتعريف فلسفي مكثف ومتواصل وتقارب ما بين الثقافات لتمكين المواطنة الحقيقية، والأهم الإخلاص والمصداقية في العمل، فعمل بدون إخلاص لا يأتي بنتيجة مشرفة.
مشاركة :