الضرورات تبيح المحظورات!

  • 8/3/2016
  • 00:00
  • 26
  • 0
  • 0
news-picture

إذا كان الإرهابيون يمثلون جزءاً أقلوياً من جماعات تؤمن بالتكفير والقتل، وهؤلاء يمثلون أقلية من جيل لم يتعلم حب الحياة ومهاراتها والإبداع والحرية، وهؤلاء بدورهم يشكلون فئة من مجتمعات مهمشة غير مستقلة، فإنك لكي تعدل سلوك شخص واحد كي يمتنع عن ذبح رجل دين مسالم يبلغ من العمر 84 سنة، يجب أن تغير أفكار ومعتقدات ومشاعر مائة شخص يؤيدون هذا العمل ويؤمنون به ويرونه ضرورة شرعية. ولكي تغير أفكار مائة شخص وتحررهم من التطرف، يجب أن تعلم ألف شخص على الأقل التفكير الحر المستقل والنقدي والقدرة المنهجية على ملاحظة الصواب والمعقولية لدى الآخر واحتمال الخطأ لدى الذات، ولهذا الغرض يجب أن تهيئ لعشرة آلاف شخص على الأقل الفرصة للمشاركة الاقتصادية والاجتماعية والحصول على خدمات أساسية ملائمة ولائقة في العمل والتعليم والرعاية... وعلى رغم صحة الردّ بالقول إن الإرهابيين كانوا على الأغلب أشخاصاً أسوياء، وتلقوا تعليماً معقولاً وتنشئة تقليدية، فإنه أيضاً صحيح القول إن المؤشرات الإحصائية والتي تنشرها مؤسسات دولية كالأمم المتحدة أو دراسات نشرت في مجلات معتبرة تقدّم دلالات مهمة وواقعية حول العلاقة بين متغيرات كالضغوط والسعادة، والنمو والازدهار، أو وفق جوهانس شوفير، فإن مقولة الفقراء السعداء لا أساس لها من الصحة على الأقل إحصائياً وفي استطلاعات الرأي العلمية. فالدول والمجتمعات في إجازتها أو تقبّلها العنف الرمزي تجاه فئات محددة الهوية تؤسس للعنف والكراهية، تنشئ هوية جامعة متماسكة في مواجهة الأعداء والأخطار، وتوحد بين غالبية المواطنين، وتؤدي إلى الوحدة والانتماء والشعور بالأمن، والأهم أنها بالنسبة الى السلطات السياسية تؤجل الاستحقاقات السياسية والاجتماعية في المشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية وتوزيع الموارد والإنفاق. لكنها وعلى المدى الطويل المتراكم، أطلقت حالة عزلة وكراهية وشعور بالرفض، وإن كانت هذه حالة قابلة للسيطرة في مرحلة ما قبل العولمة والمعلوماتية فإنها اليوم مثل صندوق باندورا، ولنعترف ونواجه أنفسنا بأننا وسط كارثة لا تفيد في مواجهتها كل الأدوات والمؤسسات السابقة، وأنها تحتاج إلى ثقافة جديدة في العمل والإدارة والتنظيم والعلاقات مختلفة عما قبل اختلافاً كبيراً وجذرياً. فكل ما لدى السلطات والمجتمعات من مؤسسات، بات «خردوات» لا تجذب إليها أحداً حتى الأطفال والبائعين المتجولين والمتشردين! ثمة معتقدات قوية وراسخة تهيمن على الأجيال التي اكتسحها تدين وانتماءات خارجة عن إدارة وتنظيم مؤسسات الدولة والمجتمع، وهي شأن كل المعتقدات بعيدة من العقلانية بمقدار ما هي قوية وتزداد قوة وتأثيراً وانتشاراً كلما زادت غرابة ووحشية، ونضحك على أنفسنا إذا كنا نعتقد أن ذبح الأطفال والرهبان والمصلين والمتسوقين يقلل من تأييد هذه الجماعات، فهي عمليات تثير الاشمئزاز لدى فئة هي ابتداء ترفض هذه الجماعات حتى لو كانت سلمية وغير عنيفة، لكنها تبعث على الإعجاب و «شفاء الصدور» لدى فئات واسعة في عالم العرب والإسلام، أما الحوار العقلاني والردّ على الأفكار فلا يستمع إليهما أحد سوى معارضين أو رافضين لهذه الجماعات، ويظل على الدوام أضعف المعتقدات وأقلها تماسكاً وأكثرها تغيراً تلك التي تعتمد على الأسئلة العقلانية ومحاولة إجابتها. نحسن صنعاً ونوفر الوقت والدماء إذا بدأنا بمدن ومجتمعات مستقلة وتعليم حر وعقلاني، وأن تنسحب الدولة نهائياً بخيرها وشرها واعتدالها وتطرفها وتنويرها وظلاميتها من الشأن الديني والثقافي، وتترك الناس يفكرون ويتساءلون، وتنشغل هي بتحسين المدارس والعيادات ومؤسسات الرعاية الاجتماعية، وتكفّ عن الاستئثار بالفرص والموارد، وليس غير ذلك يوقف الذبح والتفجير. * كاتب أردني

مشاركة :