المثقفون وخصومهم: سوء فهم أم سوء تفاهم؟

  • 2/5/2014
  • 00:00
  • 21
  • 0
  • 0
news-picture

هل هناك ثمة علاقة مأزومة بين المثقف والمتدين، ترى هل هي حالة أزلية أم هي وليدة زمن وظروف معينة؟ وإن كانت فمن المتسبب الأول أو المسؤول عن وجود هذه الفجوة؟ ألا يمكن أن تكون العلاقة بينهما تكاملية بدل هذه الصدامية؟ ثقافة اليمامة التقت عدداً من أصحاب الشأن لمعرفة آرائهم حول هذه الإشكالية. في البدء تحدث القاص والناقد ناصر الجاسم بقوله: إذا استقرأنا شخصية المثقف وشخصية رجل الدين فسنجد أن هاتين الشخصيتين تتشكلان على نمطين اثنين، نمط نشط اجتماعياً ونمط غير نشط اجتماعياً، يمكن أن نسميه تجاوزاً خاملاً، فالأول يظن به من قبل أتباعه ومريديه بأنه إيجابي والثاني يظن به من قبل أتباعه ومريديه أيضاً بأنه سلبي، فالمثقف التنويري الحركي المظهر لثقافته عبر سلوكات مرئية ومسموعة ومقروءة ليس كالمثقف المنكفئ على ذاته أو الساكن في برجه العاجي الضنين بثقافته أو المثقف الجبان في أصدق نعت له وليس المسالم، ورجل الدين المتقاطع مع المجتمع والمتماهي معه والمنصهر في حاجاته ومشكلاته الذي بينه وبين المجتمع حوارية مباشرة ومنفعة دائمة ليس كرجل الدين المنقطع للعبادة وعلاقته بالله وحده وترك الخلق للخالق، وقد شكل النموذجان النشطان من هاتين الشخصيتين ما يطلق عليه سلطة المثقف وسلطة رجل الدين، ونشب بينهما ما يعرف بعداء السلطة، ومنطقة الصراع عادة تكون ليس بين المثقف وبين رجل الدين إنما بين الأتباع والمريدين لكلا الشخصيتين، وهو الصراع المباشر، أما الصراع غير المباشر أو الصراع عن بعد فهو عادة يكون صراخاً منبرياً أو مواجهات كلامية على ورق الكتب والصحف، ويقوم المريدون والأتباع بتغذية هذا الصراع العبثي وتنميته والترويج والتسويق له بوهم الانتصار والغلبة لأي منهما، وهذه الحالة ليست وليدة عصرنا هذا إنما وليدة عصور خلت، ومنشؤها في الغالب المكتسبات الشخصية وليس مكتسبات المجتمع، ونادراً ما تكون لله أو للناس أو لإظهار حق أو إزهاق باطل، ولا يمكن لهذا الصراع أن يكون إلا في مجتمع بنْية التخلف فيه كبيرة جداً، ومن المحال أن يوجد توافق بين هاتين السلطتين إلا إذا انتفت المنافع الشخصية وانتفى الأتباع والمريدون. المشكلة ليست في الإسلام أما الدكتور عيسى الغيث كانت له هذه المداخلة المقتضبة حيث قال: أنا على يقين بأن النسخة الأصلية للإسلام لا تشكو هذه الفجوة ولا يوجد فيها أي تأزم أو صدام، بل تكاملية، والسبب في وجودها سبق أن كتبت فيه عدة مقالات، وعلى رأسها ثلاثة أسباب: أولاً التطرف بدل الوسطية. ثانياً التحزب بدل الاستقلال. ثالثاً: التقليد بدل التجديد وأنا أعيش منسجماً مع الآخر وأعتبره جزءاً من السنّة الكونية وأتعامل معه وفقاً للسنّة الشرعية. ويضيف الدكتور الغيث قائلاً: ما دمنا نعتقد أنه يوجد في الإسلام «رجل دين» ستظل لدينا هذه الفجوة فكل مسلم رجل دين ولا لاهوتية في الإسلام ولا كهنوتية في ديننا الكامل، إذن ليست المشكلة في الإسلام وإنما في بعض المسلمين الغلاة. تنوع التخصصات من جهتها تتحدث الكاتبة هدى المعجل قائلة: قبل أن نبحث عمر تأزم العلاقة بين المثقف ورجل الدين في محاولة منّا للبحث إن كانت وليدة زمن وظروف ينبغي أن نستعيد معلومة أن المثقف صيغة كانت محصورة في رجل الدين؛ ذلك لأنه الأبرز والأكثر حظوة فيما مضى إلى أن تدفقت المعرفة وخرج الفكر من نطاقه الضيق إلى أفق أرحب نتج عنه عدة تخصصات، ولم يعد العلم حكراً على رجل الدين السلطة الأقوى في ذلك الوقت. تنوع التخصصات أسهم في انتقال العلم من رجل الدين إلى غيره، بالتالي لم تعد بضاعته المعرفية تؤهله لأن يحشر أنفه في ما يفقه وما لا يفقه من العلوم لوجود من هم أكفأ منه، لكنه حشر أنفه وتدخل مما تسبب في ذلك تأزم العلاقة بينه وبين المثقف في نطاق ضيق، ثم اتسع النطاق بسبب اتساع المعرفة وتعدد التخصصات وكثرة المثقفين أهل الرأي والكلمة والفكر. كذلك من أسباب تأزم العلاقة بينهما عدم استيعاب رجل الدين أن علمه يدور في نطاق ضيق وفي ذات العلم المهتم به بالتالي يصعب عليه استيعاب العلوم والتخصصات الأخرى فيبدأ في محاربتها وفرض الوصاية على الفكر المتخصص وغير المتخصص تحليلاً وتحريماً ربما يريد بذلك شرنقة كيان المجتمع بما فيه عقل وفكر المثقف؛ لعله يستطيع إدارة فكر المثقف وتوجيهه أو فرض الرقابة عليه. لا شك أن الصلاحيات التي كانت ممنوحة لرجال الدين في زمن ما تسببت في وجود هذه الفجوة بجانب الوهم الذي يعيشه رجال الدين أنهم رقباء على الفكر والعلم، علماً بأن الفئة التي وقعت بينها وبين المثقف تأزم في الغالب هم من كلفوا أنفسهم بأنفسهم بالوصاية على المثقف ومنتجه، وأغلب تلك الفئات لا تحمل من العلم الديني ما يؤهلها لمناكفة المثقف فكيف بالعلوم الأخرى؟! العلاقة التكاملية يمكن تحققها في حال تم تحسين صورة كل منهما في ذهن الآخر. فالذهن إذا شحن بصورة سلبية تجاه الآخر لن يمكن الطرفين من إيجاد علاقة تكاملية. أيضاً لا بد من رفع يد الوصاية عن فكر وقلم ورأي رفعاً يأتي من الجهات العليا ومن خلالها يرفع رجل الدين يده عن الوصاية على المثقف. ليس متفقاً أما الكاتب علي زعلة فينفي وجود هذه الإشكالية بقوله: في البدء لا أجدني متفقاً مع إطلاق وصف «رجل الدين» ذلك الذي يمثل في واقع الأمر اتجاهاً ثقافياً موجوداً وحاضراً بوضوح في المشهد الثقافي بشكل عام. وينضوي تحت لوائه قدر كبير من المثقفين في مشهدنا المحلي على وجه الخصوص. والمثقف الديني في نظري هو من أكثر ممثلي الثقافة نشاطاً وجدية في أداء رسالته وترويج فكرته وإشهارها في أوساط المتلقين. وحين ننظر للعلاقة بين هذا المثقف وغيره من المثقفين الذين يمثلون اتجاهات ثقافية أخرى نجدها علاقة قائمة على التكامل والتعايش في معظم صورها وتجلياتها. لكن مايطفو على السطح الإعلامي في المقالات والبرامج الحوارية ومواقع التواصل الاجتماعي يعكس حالة من التوتر والاحتقان، بل ربما الخصومة والعداء! وسبب ذلك هم النجوم الذين يؤججون اللهيب وينفخون الكير من الطرفين؛ أعني نجوم الدعاة ونجوم الإعلاميين والمثقفين الذين يتبعهم الملايين من الأتباع مغمضي الأعين! ورغم قلة مظاهر هذه الحالة من العلاقة إلا أن ترويجها في المشهد يصور للمتابع أنها هي الغالب والسائد وهذا نوع من المغالطة.

مشاركة :