في يوم الأربعاء الماضي ظهر جدل إعلامي بين الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) من جهة، والمجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل من جهة أخرى. يبدو من خلال التصريحات المتبادلة أن هذا الجدل بين أهم جهتين لمكافحة الفساد في البلد كان ضروريا؛ لفهم دور كل جهة على حدة، ودورهما المشترك في منظومة حكومية واحدة ومركزية لمكافحة الفساد على مستوى الوطن بأسره، وعلى مستوى كافة الجهات الرسمية من وزارات وهيئات ومسؤولين دون استثناء. أن يكون هناك سوء فهم بين رؤوس الأجهزة التنفيذية، قد يكون وارداً تحت مبررات روح السياسة وروح القوانين في التطبيق والممارسة، وهذا ما تتكفل الممارسة ومستجدات الواقع الموضوعي بتطويره نحو الأفضل، لكن أن تصل الأمور بين جهازين كبيرين من أجهزة الدولة إلى التضارب في المسؤوليات والصلاحيات، فتلك مسألة فيها خطر ضياع الجهد الجماعي لاجتثاث وباء الفساد الذي يفتك بالوطن وأهله ويتجاوز أي سجالات أو مماحكات تحت أي دعاوى أو عناوين. وقبل الاسترسال في محاولة فهم ما حدث، يمكن تلخيص الموضوع بإيجاز على النحو التالي: لاحظت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ومن خلال استجابة المواطنين والإعلام لنداءاتها المتكررة لمساعدتها في تأدية مهمتها المنصوص عليها في مرسوم تأسيسها، وجود شبه فساد في كتابة عدل المزاحمية، وكلفت ممثلين لها للتحقق من الموضوع، وتأكد لديها وجود مخالفات كبيرة، فرفعت مرئياتها لسمو وزير الداخلية، واقترحت تكوين لجنة من جهات الاختصاص، وأمر وزير الداخلية بتشكيل اللجنة التي تأكد لها وجود هذه المخالفات التي يمكن فهم خطورتها فقط من خلال وجود 800 صك شرعي تم إنجازها في بيت كاتب عدل في يوم واحد. ونظراً لخطورة الموضوع، وما فيه من تعديات، قامت اللجنة بإحالة الموضوع إلى هيئة التحقيق والادعاء العام؛ لتأخذ القضية مسارها في التسلسل القضائي. كثيرون ممن قرأوا بيان نزاهة لم يجدوا فيه لا خروجا على نظامها ولا تعديا على صلاحيات جهات أخرى. في يوم الأربعاء الماضي تبين للكثيرين من المتابعين والناس العاديين أن ثمة أمورا كثيرة خافية عليهم إما لنقص في الفهم أو لغموض في نصوص قوانين وأنظمة الدولة. كتاب عدل المزاحمية الفضلاء يشكون من مظلمة وتشويه لحقت بهم وبذممهم؛ بسبب الاتهامات الواردة في بيان نزاهة. ووزارة العدل تتضامن معهم، وتصف بيان نزاهة بأنه يفتقر للنزاهة. ومجلس القضاء الأعلى يصدر بيانا يفند مزاعم نزاهة مؤكداً أن لا سلطة لنزاهة ولا لسواها على مجلس القضاء، بحسب النظام الأساسي للحكم، وأن المجلس هو الجهة الوحيدة التي يحق لها ذلك. وقد أوضح الشيخ سلمان النشوان المتحدث الرسمي للمجلس أن المجلس هو من يقوم بدور الرقابة على أعمال القضاة، عن طريق إدارة التفتيش القضائي في المجلس، لكنه أكد التعاون مع نزاهة في الأمور التي تخص بعض العاملين في الشؤون المالية والإدارية، مع أن الأمر لا يخلو من جانب قضائي أيضا. الأكثر أهمية، هو تشديد الناطق الرسمي على أنه إذا كان طلب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد متعلقا بالقضاة بسبب أعمال وظيفتهم، فلا يسوغ للهيئة نظاماً تزويدها بما تطلب؛ لعدم اختصاصها بالرقابة عليهم. هذا رد المجلس الأعلى للقضاء على نزاهة ومعالي رئيسها. الموضوع الذي كان سببا في الإشكال بين نزاهة والمجلس الأعلى للقضاء وهو «موضوع الفساد في المزاحمية وضواحيها» اختفى ربما عن سهو في رد المجلس الأعلى للقضاء؛ لأنه موضوع عادي، والموضوع الأهم هو من يحقق ويحكم في نفس الوقت إذا تعلق الموضوع بقاض أو كاتب عدل. من حسن حظ البلد وأهله أنهم يعرفون أن حدود صلاحيات الأجهزة التنفيذية يقوم على إدارتها مجلس وزراء يقوده ملك عادل، عبر سياسة شاملة، يتساوى فيها الجميع أمام قضاء عادل. لا يوجد في الإسلام كهنوت، لكن المسلمين بينهم ممارسات كهنوتية. الكهنوت مصطلح علمي وهو جعل علماء الدين رجالاً للدين دون سواهم وفرض تقليد أحادهم على الناس -كما يقول القاضي الشيخ عيسى الغيث حفظه الله.
مشاركة :