المرض في القرآن ـ مرض القلوب ـ نوعان: مرض شبهات وشكوك، ومرض شهوات ومحرمات والطريق إلى تمييز هذا عن هذا ـ مع كثرة ورودهما في القرآن ـ يُدرك من السياق. فإن كان هذا السياق في ذم المنافقين والمخالفين في شيء من أمور الدين، كان مرضَ الشكوك والشبهات، وإن كان السياق في ذكر المعاصي والميل كان مرضَ الشهوات. ووجه انحصار المرض في هذين النوعين: أن مرض القلب خلاف صحته، وصحة القلب الكاملة بشيئين: كمال علمه ومعرفته ويقينه، وكمال إرادته وحبه لما يحبه الله ويرضاه. فالقلب الصحيح: هو الذي عرف الحق واتبعه، وعرف الباطل واجتنبه، فإن كان علمه شكاً وعنده شبهات تُعارض ما أخبر الله به من أصول الدين وفروعه، كان علمه منحرفاً وكان مرض قلبه قوة وضعفاً بحسب هذه الشكوك والشبهات. وإن كانت إرادته ومحبته مائلة لشيء من معاصي الله، كان ذلك انحرافا في إرادته ومرضاً. وقد يجتمع الأمران فيكون القلب منحرفاً في علمه وفي إرادته. فمن النوع الأول: قوله تعالى: { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } [البقرة: 10] وهي التقاليد والشكوك والشبهات المعارضة لرسالة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ {فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً}[البقرة: 10] عقوبة على ذلك المرض الناتج عن أسباب متعددة، كلها منهم، وهم فيها غير معذورين. ونظير هذا قوله تعالى في سورة براءة: { وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ } [التوبة: 125]. وكذلك قوله تعالى: { لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } [الحج: 53] فإن مريض القلب بالشكوك وضعف العلم أقل شيء يريبه ويؤثر فيه ويفتتن به. ومن الثاني: قوله تعالى في سورة الأحزاب: { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً } [الأحزاب: 32] أي: مرض شهوة وإرادة للفجور، أقل شيء من أسباب الافتتان يوقعه في الفتنة طمعاً أو فعلاً. فكل من أراد شيئاً من معاصي الله فقلبه مريض مرض شهوة، ولو كان صحيحاً لاتصف بصفات الأذكياء الأبرياء الأتقياء الموصوفين بقوله في سورة الحجرات: { وَلكنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً } [الحجرات: من الآيتين 7، 8]. فمن كان قلبه على هذا الوصف الذي ذكره الله، فليحمده على هذه النعمة التي لا يقاومها شيء من النعم. وليسأل الله الثبات على ذلك، والزيادة من فضل الله ورحمته.
مشاركة :