في الحديث الشريف (إنما بُعثت معلماً، إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وقال ابن القيم (الدين كله خلق، فمن فاقك في الخلق فاقك في الدين) فماهي الأخلاق التي تجسد الخلق أو أخلاق الخلق؟ وما شكل الإنسان النموذجي من حيث تدينه، وما تصورنا لسلوكه ؟. احتلت هذه الأسئلة تفكيري فكانت جديرة بالتأمل لصلتها بطموحاتنا في خطة 2030 ونجاحها الذي يرتبط بأخلاق الفرد ،فكيف إذن نبني الإنسان الذي يجسد الأخلاق التي بشَّر بها رسولنا الكريم، فأهمية البناء في أهمية تحقيق أهدافنا في الحياة تعميراً وتطويراً وتنمية فضلاً عن انتشالنا من واقع يعاني نقصاً حاداً في هذه المعاني، فالنقص في الأخلاق يدلل عليه الشارع وتجاوز الأنظمة وخصوصاً أنظمة المرور فمن يَسرْ بشارع الملك بجدة حيث يوجد (يوتيرن) سيرى قطع (الطابور) والقفز على الغير في تجسيد للأنانية وللنقص الحاد باحترام الآخر وعندما تقف في صف المطعم أو سداد مشتريات بالسوبرماركت (ينط) أحدهم ليتجاوز الجميع ومثله في الجهات الحكومية عندما يتسلل الأناني أمام أعين المسئول ويقدم طلبه بينما (الطابور) يزحف، أو تجد أباً يجلس بالكورنيش يأكل ويشجع أطفاله على رمي النفايات بافتراض أن هناك من سينظفها، ومع أن هذه ظواهر سلبية إلا أنك إن قلت لمن يقوم بها : إنك (عديم خلق) فإن رد فعله سيرتبط بارتكاب الكبائر كالزنا والسرقة والقتل وشرب الخمر، لأننا تعودنا نمطيا الربط بينها وعدم الأخلاق بينما النقص في السلوك القويم أو المعاملة أمر مباح، لاعجب أن بعض المتدينين يمتنع عن الكبائر لكنه لا يتحرج أن يكون أنانياً ،وتجاوز (الطابور) لا يعكس عدم أخلاق بقدرما يشير للأنانية التي وجدت تسامحاً أوهم الأناني بأن من حقه أخذ دور غيره بينما هو يخالف قول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) ومن هذا الحديث هل يوافق الأناني على وصفه بالنقص في الإيمان ، لماذا إذن يقفز على غيره في (الطابور)؟ وهل يقبل أن يتخطاه أحد بطريقه تخالف أنظمة المرور، وهل من فضائل الأخلاق أن تأخذ دور غيرك في البقالة أو المطعم أو بالمصلحة الحكومية؟ فإن كانت الإجابة لا ، فإذن لماذا نعامل بعضنا بما لا نرضاه لأنفسنا. أختم بقصة أدهشتني بقدرما أسعدتني فقد كنت بسويسرا وأثناء محاولتي إيقاف السيارة ، وقفت سيدة عجوز تلوح بتذكرة موقف ثم توكأت على (عكاز) وقربت مني وحيَّتني وسلمتني البطاقة قائلة خذها فرصيدها يعادل ربع ساعة ثم انصرفت سعيدة، تساءلت لماذا فعلت ذلك وهي لا تعرفني؟ لاشك أن الدافع الأخلاقي حفَّزها لفعل الخير ولا شك أنها رغبت معاملتي بما تحب أن تُعامل، إنها أخلاق ديننا الذي يحث على الإيثار وكبح حب الذات، إنه تجسيد لتلازم التدين بالخلق القويم فديننا كما يقول (د. العودة) جاء لفتح باب الذرائع وليس لإغلاقها وحيث إن من أهداف 2030 طرح الأسئلة التي تصوب واقعنا فإن استصحاب سيرة المعلم الأول تكسب الخلق القويم فلابد من التدرج في هداية العاصي بغرس فضائل الأخلاق قبل العقوبة والتعنيف والتصنيف والتخويف وبإعمال التفكير في كل شيء لأنه متى نقص التفكير زاد التكفير الذي طالما غذى التطرف الذي يزعم سد باب الذرائع ولكنه يستهدف اختطاف عقول أبنائنا وديننا وأخلاق الخلق.
مشاركة :