مكارم الخُلق أم تكفير الخَلْق؟! | محمد بشير كردي

  • 6/23/2016
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

مع أنَّ شهر رمضان هو شهر طاعة وعبادة، وتقرُّب إلى الله، تنبري القنوات الفضائيَّة العربيَّة إلى تقديم ما يزيد عن أربعين مسلسلاً ترفيهيَّا يشغل الكبار والصغار بمتابعة حلقاته. من أكثر هذه المسلسلات متابعة عند مَن أعرفهم؛ مسلسل «باب الحارة» في عامه الثامن، يُصوِّر عادات حيٍّ من أحياء دمشق، وتقاليد أهله أيَّام زمان. ويُركِّز على فتوَّة شبابه في مقاومة المستعمر الفرنسي. وكان لربَّات بيوت وجهائه دورهنَّ في أحداثه. لم يرضَ عنه العديد من السوريِّين عامَّة، والدمشقيِّين خاصَّة؛ لأنَّه لم يقدِّم دمشق عاصمةً للعلوم والآداب منذ فجر التاريخ. مسلسل «حارة الشيخ» الذي يُصوِّر حيًّا من أحياءِ جدَّة في الزمن الغابر، كان لفتوَّة الحارة فيه دورٌ في السلطة والتسلُّط على البلاد والعباد، وللتخلُّف والجهل دورٌ كذلك في معاناة الناس. ومع أنَّ المسلسل لم يكمل حلقاته بعد للحكم له أو عليه، فقد رفع العديد من عشَّاق -جدَّة غير- أصواتهم مستنكرين هذه الصورة غير المشرِّفة عن عروس البحر الأحمر؛ المدينة التي أنجبت العديد من العلماء والأدباء والتجَّار. في ضوء هذه الانتقادات، وحرص مَن تحدَّث عن سلبيَّات المسلسلين الدمشقي والجداوي إبراز مجتمعهم حتَّى في غابر الأزمان خاليًا من السلبيَّات! فقد استعدت بالذاكرة قول أَبي فراس الحمداني (320 - 357هـ/ 932 - 968م): وَنَحْنُ أُنَاسٌ لَا تَوَسُّطَ بَيْنَنَا لَنَا الصَّدْرُ دُوْنَ العَالَمِيْنَ أَوْ القَبْرُ قول فيه غرورٌ بالحسب والنسب، وتقليلٌ من قيمة الآخرين من خلق الله ومكانتهم. وما يزال في مجتمعاتنا حتَّى اليوم من يقلِّل من قيمة أولئك الذين تفوَّقوا علينا في التقنية والعلوم، ومن مكانتهم وإنسانيَّتهم، ومنهم نطلب العلم والمعرفة لأبنائنا. ومن عندهم نتزوَّد بمتطلَّبات حياتنا اليوميَّة من الغذاء والكساء والدواء. ننعتهم بالكفر، ونتوعَّدهم بنار جهنم، ناسين أو مُتجاهلين قوله تعالى: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوْبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ). ونرى في مجتمعنا بعض الغُلاة بالعقيدة، ومن المدسوسين عليها يختصرون المسلمين المؤمنين الموعودين بالجنَّة في أنفسهم، ويُكفِّرون مَن اختلف معهم، ناهيك عن تكفيرهم غير المؤمنين بنبيِّنا الكريم من غير العرب والمسلمين. هؤلاءِ يحلُّون دماءهم، ويُجنِّدون انتحاريِّين ليس من أهلهم أو أبنائهم لقتل الأبرياء في العديد من بلدان العالم، تحت راية الشهادتين. أمر لا يقرُّه عرفٌ ولا دين. دينُ الله خاصَّةً الذي جَعَلَنَا أُمَّةً وَسَطًا. فهل من إعلام مرئي يحشد أمام شاشات قنواته الفضائيَّة مثل حشود مشاهدي مسلسلات رمضان هذه الأيَّام، يبرز وسطيَّة عقيدتنا السمحة، ويجمع بين خلق الله على مكارم الأخلاق، وحفظ حياة الآخرين! ليعتبر جيل اليوم من قصص الأمس ويتفادى سلبيَّاتها؟!

مشاركة :