العنف سمة بارزة في سلوك سوريين

  • 8/12/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يُعرّف العنف عموماً على أنّه الاستخدام المقصود أو غير المقصود للقوّة، أو التهديد بها ضدّ الآخرين، ما يؤدي إلى الأذى الدائم أو الموقت أو المميت. ولهذا الأذى اتجاهات متعددة قد تكون نفسية أو جسدية أو معنوية. كما تساهم أكثر من جهة في تبنّي منظومة العنف في حياة الإنسان، بدءاً من الأسرة وانتهاءً بالمجتمع على مختلف هيئاته وتنظيماته. وتُعتبر الفئات المهمّشة والفقراء والأطفال والنساء الأكثر تلقّياً للعنف في مختلف مستوياته وأنواعه. ومن البديهي أن الحروب في حدّ ذاتها هي عنف مباشر سواء تجاه الدول أو الأفراد، وذلك بحكم أخلاقياتها ومناخاتها التي تفرضها، سواء على مستوى القتل والموت، أو التشرّد والجوع والفقر، أو الاغتصاب والاختطاف والاعتقال، وهذه كلها أخلاقيات وممارسات عنفية بامتياز. لذا، وإذا ما أردنا الوقوف على حالة المجتمع السوري الذي يُعاني منذ ست سنوات حرباً ضروساً، التهمت نيرانها أخلاقيات البشر كما التهمت حياتهم وممتلكاتهم، وبالتالي استقرارهم وأمنهم، فتركتهم في مهب رياح التشتت والتشرّد والضياع والغربة حتى عن أنفسهم، يُقاسون شتى أنواع العذاب والقهر والحرمان الذي دفع ببعضهم مُرغمين الى ممارسة سلوكيات وأخلاقيات قد تكون غريبة عنهم سابقاً، فبات الشجار والخصام مع الآخرين ولأتفه الأسباب سمة شبه دائمة لديهم، بحكم الضغط النفسي والمادي والروحي الذي خلقته ظروف الحرب، التي لم تكد تخمد نيرانها في مكان حتى تنشب مجدداً في مكان آخر. وهنا نُدرك الكمّ الكبير والرهيب من العنف الذي تغلغل في نفوس وسلوكيات معظم السوريين الذين صمتت لديهم لغة الكلام، ونطقت لغة السلاح، وبذا، أصبحوا يعانون تشوّهاً قيمياً وأخلاقياً غير معهود. فمثلاً، غالبية الأمهات بتْنَ أقل رأفة بأطفالهن، حيث لا يتناهى إلى سمعنا إلاّ أصواتهن وصراخهن منذ الصباح الباكر وحتى وقت متأخر من الليل، عدا عن الضرب المؤلم لأسباب لا تستحق هذا العنف كله، ناهيك عن مشاهد مؤلمة وصادمة لأخريات يصفعن أطفالهن بوحشية مُثقلة بتمنّي موتهم بقذيفة أو رصاصة طائشة، ما لا يمكنك معه أن تُصدّق أن هذه السيدة هي أم لهذا الطفل، إضافة إلى اللواتي يطردن أبنائهن من البيت لأسباب عادية لم تكن تقودهن إلى ذلك سابقاً. وهذا الزوج الذي فقد بيته وعمله، أو ذاك الذي أُصيب بعاهة أو عجز دائم بــسبب قذيفة أو أثناء مشاركته في العمليات القتالية (...). جميعهم باتوا تقريباً عالة على أُسرهم، فلم يجدوا من وسيلة لعدم فقدان سلطتهم وصولجانهم سوى ممارسة العنف المباشر وغير المباشر سواء على الزوجة أو الأبناء. فهذا الرجل الذي يضرب زوجته بوحشية، فقط لأنها لم تُحضِر له علبة السجائر، ومن ثم يطردها من البيت في وقت متأخّر من الليل الذي شقّ سكونه صراخها وشتائمها، فكانا فرجة مؤلمة لأهل الحي، وفي الوقت عينه مُفزعة للأبناء الذين استيقظوا على صراخ والدتهم، فلاذوا بفراشهم كما الطيور المذعورة. والمشهد الأغرب والأفظع كان في أحد السوبرماركات، حين ضرب صاحب المحل طفلاً من الحي ضرباً مبرحاً، وألقاه أرضاً وسُمع صوت ارتطام رأسه على الأرض وهو يستغيث نافياً أن يكون قد سرق شيئاً من المحل من دون أدنى شفقة من الرجل، وهذه ظاهرة قلّما تحدث، وإن حدثت يكون التعامل مع الطفل من باب التهديد والوعيد وإخبار الأهل بالأمر لئلا تتكرر الحالة. وحتى الأطفال أنفسهم، نجد أن لغة تعاملهم ولعبهم مع أقرانهم تماثل لغة العنف والتهديد والوعيد الذي إمّا أنهم يُلاقونه من الكبار، أو يسمعونه منهم، أو أثناء مشاهداتهم للتلفزيون الذي كانت معظم أعماله الدرامية هذا العام حافلة بالعنف في شكل رهيب. ولم تنجُ الصروح العلمية العريقة من تلك الممارسات، ففي سابقة خطيرة ومُذهلة كانت حديث الصحافة المحلية، نشب عراك ما بين أحد أساتذة الجامعة وأحد الطلاب في قاعة الامتحانات، انتهى بالضرب المتبادل والتهديد لأن الطالب رفض تسليم ورقة الامتحان قبل انتهاء الوقت المُخصص للمادة. والوضع ذاته تجده في عموم المدارس في مختلف مراحلها سواء من المُدرّسين والكادر الإداري تجاه التلامذة، أو العكس أحياناً. فقد شهدت امتـــحانات الثانوية العامة، تعرّض تلامذة لمدرّسين بالضرب وهدد آخرون، فقط لأنهم تشدّدوا في ضبط قاعات الامتحانات أثناء المراقبة ولم يسمحوا بالغش. أمّا في الدوائر الحكومية، فقد أصبح التعامل المُثقل بالكراهية والعنف ســيّد الموقف ما بين زملاء العمل أنفسهم، أو ما بينهم وبين رؤسائهم. فقد تعالت الأصـــوات في إحدى الدوائر ما بين رئيــس الدائرة وأحد مرؤوسيه انتهت بمشادة بالأيدي وتهديد ووعيد نظراً الى انعدام الضوابط المهنية والوظيفية والمساواة بين العاملين. كما تشهد الأحياء السكنية يومياً خلافات وشجارات يطول مداها أثناء مجيء الماء المُقَنّن، وهذا ما قاد ثلّة من الرجال إلى الهجوم على أحد سارقي الماء وضربه بوحشية أمام زوجته وأطـــفاله وســكّان الــبناء، من دون أن يرفّ جفن لأحد. والحال ذاتها تشهدها الأفران يومياً، إذ تصل المشاجرات حدَّ إهراق الدم أحياناً في شكل غير معهود، على رغم أزمــات كثــيرة ســـابقة تعرّض لها عموم الــسوريين، وذلك بسبب الازدحام المفتعل من تجّار الخبز وعاملين داخل تلك الأفران. هذا الواقع المُخجل والمُخزي، سببه ودافعه حقيقة، هو واقعنا المأسوي اللانساني الذي أعادنا إلى شريعة الغاب، حيث القوي يأكل الضعيف. لكن، ومهما يكن الســبب الكامن خلف السلوك العنيف سواء للأشخاص أو الهيئات أو الدول، يبقى العنف حالة بدائية تنمّ عن الافتقار إلى العقل والحكمة التي تميّز الإنسانية عن سواها من الكائنات الحيّة، وبالتالي هو حالة وسمة انفعالية تشوّهان إنسانية الفرد والمجتمع على السواء.

مشاركة :