أسواق المال تحافظ على مرونتها وسط تقلبات أسعار النفط

  • 8/18/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أنيتا ياداف* شهدنا خلال الشهرين الماضيين ابتعاداً ملحوظاً عن التوجهات التي كانت سائدة مطلع العام الجاري فيما يخص علاقة وتأثير تقلبات أسعار النفط في أداء أسواق المنطقة، وقد تمت ملاحظة هذا التحول عبر جميع فئات الأصول في المنطقة بدرجات متفاوتة. وخلال الأشهر التسعة المنتهية في مارس/آذار 2016، انعكس تأثير انخفاض أسعار النفط بنسبة 36% في تراجع مؤشر تداول الأسهم السعودية بواقع 32%، وزيادة فرق العائد على سندات دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 43%، ومع انخفاض أسعار النفط مؤخراً بواقع 15% منذ استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ارتفع مؤشر بلومبيرج 200 لدول مجلس التعاون الخليجي بواقع 1.5%، كما تراجعت مؤشرات تداول الأكثر تأثراً بأسعار النفط في المنطقة بنسبة 4% فقط، فيما سجلت سوق دبي المالي تقدماً بنسبة 4.5%، كما أن الارتباط الأسبوعي بين مؤشر بلومبيرج 200 لدول مجلس التعاون الخليجي وأسعار مزيج برنت تراجع من 0.87 خلال الربع الأول من عام 2016 ليصل إلى 0.55 مطلع يونيو/حزيران 2016. ويبدو الفارق أوسع في سوق الدخل الثابت، حيث انخفض الارتباط الأسبوعي بين مؤشر بلومبيرج للسندات الأكثر سيولة في دولة الإمارات وأسعار مزيج برنت إلى -0.87 منذ يونيو 2016 بعد أن بلغ 0.77 خلال الربع الأول من عام 2016. وفضلاً عن تضاؤل تأثير أسعار النفط في الأوراق المالية، تراجع هذا التأثير أيضاً على صعيد توجهات القطاع الخاص، وعلى سبيل المثال، ارتفع مؤشر مديري المشتريات من بنك الإمارات دبي الوطني الخاص بدولة الإمارات العربية المتحدة من 53.4 في يونيو/حزيران 2016 إلى 55.3 في يوليو/تموز 2016، وذلك رغم انخفاض أسعار النفط خلال الأشهر الثلاثة السابقة، وتبدو الصورة مشابهة في المملكة العربية السعودية، حيث بلغ مؤشر مديري المشتريات أعلى مستوياته منذ سبتمبر/أيلول 2015 ليصل إلى (56.0) خلال يوليو/تموز 2016. لا شك بأن ديناميكيات تدفقات رأس المال تشكل العامل الأبرز لهذه المرونة في الأسواق، حيث إن إجراءات البنوك المركزية لضخ السيولة - التي أسهمت في توسيع برامج التيسير الكمي في اليابان ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة وغيرها - أفضت إلى تحول ربع أسواق السندات السيادية في البلدان المتقدمة إلى منطقة العائدات السلبية، إضافةً إلى إجبار المستثمرين على السعي لكسب العائدات في مجالات أخرى. من جهة ثانية ارتفعت مستويات السيولة بشكل كبير ضمن أسواق الأوراق المالية الناشئة التي تتيح عوائد مرتفعة نسبياً، ويتم تداول السندات الخليجية بمتوسط عوائد يقارب 4%، وتوزيعات العائدات على الأسهم الخليجية بنحو 4.3% (بحسب مؤشر بلومبيرج 200 لبلدان مجلس التعاون الخليجي) وذلك مقارنةً مع متوسط عوائد السندات الحكومية اليابانية لأجل 10 سنوات، الذي بلغ -0.11%. وقام المستثمرون الأجانب بشراء أسهم بقيمة 1.7 مليار دولار في أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ مطلع العام الجاري، علماً أن نحو 20% من عمليات الشراء هذه تمت خلال شهر يوليو/تموز فقط. وتبدو التوجهات مشابهة في مجال الدخل الثابت، ولا سيما في ضوء إقبال المستثمرين الأجانب على شراء معظم السندات الخليجية الصادرة هذا العام والبالغة قيمتها 32 مليار دولار، ومن المرجح أن تتعزز هذه المساعي لكسب العائدات، خصوصاً أن البنوك المركزية لا تزال في مرحلة التحضير والتكيف مع ذلك. وثمة عامل رئيسي آخر وهو منحنى أسعار الفائدة الذي بات أكثر استقراراً في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يوضح فعلياً أن قرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بمواصلة تعليق عملياته حتى اللحظة في عام 2016 واحتمال الحد من ارتفاع أسعار الفائدة مستقبلاً قد أبطلا مفعول أي مخاطر لتدفق رأس المال ناجمة عن ارتفاع تكاليف الاقتراض، كما ساهم انخفاض أسعار الفائدة لفترة أطول في تسهيل جمع السيولة الرخيصة، ووفر دعماً غير مباشر بالاستفادة من ضعف الدولار. وأسهم تسريع وتيرة الإصلاحات مؤخراً في دول مجلس التعاون الخليجي بإعطاء دفعة قوية لمعنويات المستثمرين، رغم أن عجز الميزانيات الحكومية لا يزال مرتفعاً، جراء ضعف أسعار النفط، وتوجهت الصناديق السيادية في المنطقة إلى تقليل نفقاتها عبر خفض مستوى دعم الطاقة، ويجري التخطيط لتطبيق ضرائب القيمة المضافة في عام 2018، فيما يتم تطبيق أو زيادة الضرائب المؤسسية، وتعتبر هذه الإيرادات أكثر استدامة من الاعتماد على العائدات النفطية. وساعد غياب الصدمات السلبية الخارجية - مثل المخاوف المحيطة بصحة أداء الاقتصاد الصيني - في دعم أجواء السوق. وبالنظر إلى المرحلة المقبلة، نعتقد أن هيمنة صفقات الشراء بالاقتراض وديناميكيات تدفق رأس المال ستستمر في المستقبل المنظور إذا لم تتجه أسعار النفط إلى هبوط كارثي، وبالرغم من التقييم المرتفع على مؤشر الغنى، يجب أن يبقى الدعم موجهاً لأسواق الدخل الثابت والأسهم في المنطقة. وحتى مع تراجع أداء تداول مؤخراً مقارنة مع نظرائها في دول مجلس التعاون الخليجي، من المرجح أن تلقى السوق السعودية الدعم بحصدها سريعاً لنتائج الإصلاحات الجارية في سوق رأس المال التي ستسمح بتدفق المزيد من رأس المال الأجنبي إلى المملكة. *رئيس قسم أبحاث الدخل الثابت - الأسواق العالمية والخزينة في بنك الإمارات دبي الوطني

مشاركة :