أساء كثير من الرجال المسلمين إلى الإسلام لإساءة فهمهم وتطبيقهم لتعدد الزوجات، فعدّد المسنون وغير المسنين، الأغنياء منهم والفقراء ممن يعيشون على الضمان الاجتماعي والصدقات والزكاة بالزواج من الصغيرات القاصرات، بل الطفلات اللاتي لا تتعدى أعمارهن التاسعة، ومنهم من استغل حاجة بعض الأسر فتزوجوا من صغار اليتيمات إرضاءً لرغباتهم ، بدلًا من أن يكفلوا الأسرة بكاملها بالزواج من أمهاتهن كما جاء في التوجيه القرآني، وهو سبب إباحة التعدد، كما نجد للأسف المجمع الفقهي في مكة المكرّمة أباح زواج المسيار بعدما حرّمه من قبل، ومن العلماء من أباحوا الزواج بنية الطلاق، ممّا ضاعف من فوضى التعدد، وما ينجم عنه من ظلم وجور للزوجات وأولادهم؛ لذا دعا البعض إلى تقنين تعدد الزوجات، وانقسم النّاس بين مؤيد ومُعارض، وأتعجب من المعترضين، لأنّ الله جلّ شأنه قد قنّن التعدد، ووضع شروطه وضوابطه في قوله تعالى:(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا)[النساء:3]،(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)[النساء:129] ويُفسِّر فضيلة الشيخ علي جمعة مفتي مصر السابق هذه الآيات بقوله:» لم يرد أمر لمن تزوج واحدة بأن يتزوج أخرى, وذلك لأنّ تعدد الزوجات ليس مقصودًا لذاته وإنّما لأسباب، فالتعدد لم يرد في القرآن الكريم بمعزل عن أسبابه, فالله عز وجل قال:﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾[النساء:3]ويواصل فضيلته قوله:» فالذين فسروا الآية الكريمة أو درسوها كنظام إنساني اجتماعي فسروها بمعزل عن السبب الرئيسي الذي أنزلت لأجله, وهو وجود اليتامى والأرامل, إذ أنّ التعدد ورد مقرونًا باليتامى, حيث قاموا بانتزاع قوله تعالى:(فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)دون القول السابق, والذي صيغ بأسلوب الشرط (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) وكذلك دون القول اللاحق, والذي يقيد تلك الإباحة بالعدل, حيث قال:(فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) فمن ذهب إلى القرآن الكريم لا يجد دعوة مفتوحة صريحة للتعدد دون تلك القيود التي أشرنا إليها..وفي التشريع أباح ولم يأمر وشتان بين أن يكون الإسلام أمر وأن يكون قد أباحه فحسب، فضلًا عن أن تكون تلك الإباحة مرتبطة بأسبابها ومقيدة بأكثر من قيد في قوله:(فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) وقوله في آخر الآية:(ذلك أدني ألا تعولوا)أي:(ذلك)،وهو الاكتفاء بواحدة، أقرب ألا تجوروا وتميلوا عن حقوق النساء، إذ التعدد يعرض الرجل إلى الجور، وإن بذل جهده في العدل: فللنفس رغبات وغفلات، وهذا ما يتفق وظاهر قوله سبحانه﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾[النساء: 129][جريدة الأهرام الصادرة بتاريخ 15/5/2010م] وهذا المعنى هو الذي يتفق مع سياق الآية(3)والآية التي قبلها، والتي تتحدّث عن أموال اليتامى ذكورًا وإناثًا، ولم تتحدّث عن يتامى النساء كما في الآية(127) من سورة النساء. suhaila_hammad@hotmail.com
مشاركة :