باتت كل مكوّنات «المشكل» في لبنان جاهزة وكذلك «فتائل تسخينه»، ويبقى «عود الثقاب» الذي يرتبط توقيت إشعاله بـ«ساعة صفر» محكومة بمهلة «الخط الأحمر» التي رسمتها قوى «8 آذار» بقيادة «حزب الله» بعنوان «رئيس بشروطنا قبل نهاية السنة»، وأيضاً بمسار الملفات المشتعلة في المنطقة ولا سيما في سورية، ومصير الترتيبات التي يمكن أن تفضي إليها التحوّلات على «خطوط التقارب والتباعد» بين قوى التأثير الإقليمي. هذا الواقع الذي ازدادت مؤشّراته «التمهيدية» في الأيام الأخيرة، تبلْور أكثر في الساعات الماضية مع تطورات بارزة طوت عملياً صفحة «انتظاريْن»: انتظار مرشح «حزب الله» للرئاسة العماد ميشال عون جواب زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري على إمكان السير به رئيساً للجهورية، والثاني انتظار «حزب الله» ردّ الحريري على «المقايضة الممكنة» التي طرحها أمينه العام السيد حسن نصر الله السبت الماضي على قاعدة «عون للرئاسة والحريري لرئاسة الحكومة». وفي هذا السياق جاء تجدُّد مناخ الاستقطاب الحادّ بين «المستقبل» و«حزب الله» ليعاود «تصفير عدّادات التفاؤل» التي طبعت في الأسابيع الماضية فريق عون خصوصاً، في موازاة استعداد الأخير لملاقاة تبدُّد رياح التفاؤل بدخوله قصر بعبدا قريباً بخيارات تراوح بين حدّيْن: الأوّل قلْب الطاولة حكومياً بالاستقالة على خلفية مسار التمديد للقادة العسكريين الذي بدأ امس بصدور قرار تأجيل تسريح الأمين العام للمجلس الاعلى للدفاع اللواء محمد خير لمدة سنة على ان يُتوَّج بالتمديد مجدداً لقائد الجيش العماد جان قهوجي الذي تنتهي خدمته في 30 سبتمبر المقبل، والثاني تسديد ضربة لـ«الحكومة العرجاء» بالاعتكاف الذي يجعلها عملية مشلولة ولكن من دون إسقاطها بالكامل. وكان بارزاً في إطار استعادة «المستقبل» و«حزب الله» وضعيّة «التمترس السياسي» الذي «دَفن رسمياً» أسبوع «التكهنات» حيال جواب الرئيس الحريري على «نصف مبادرة» نصر الله، نقطتين: • الأولى الكلام العالي السقف الذي قارب «القنبلة» وأطلقه وزير الداخلية نهاد المشنوق حيال «حزب الله» وسرايا المقاومة التابعة له، والذي اكتسب أهمّيته لأنه أتى على لسان المشنوق الذي كان يُعتبر أبرز الداعين من فريق «المستقبل» الى تسوية يتبنى معها الحريري وصول عون الى الرئاسة. كما برزتْ أهمية مواقف المشنوق من خلال تركيزها على مناخ «التهويل الأمني» الذي أطلّ برأسه من خلال ظهور قائد سرايا المقاومة عبر إحدى الصحف القريبة من 8 آذار متحدثاً عن «مهمة داخلية» لهذا التشكيل المسلّح وكاشفاً عن بلوغ عدده 50 ألف مسلّح. وفي ما اعتُبر «الجواب» على عرْض نصر الله للحريري أكد المشنوق «ان التسوية المطلوبة لا تتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية ولا بهيبة رئيس الحكومة، لأن مَن سيتمّ تسميته هو الرئيس الحريري الذي يستحق ذلك بأصوات النّاس وبدماء الشهداء وليس منّة من أحد»، معتبراً «اننا نرفض أن تكون التسوية اسماً حركياً لأمرَين هما الاستسلام أو الانتظار»، قبل ان يردّ على ما وصفه بـ«آخر استعراضات القوة» في إشارة الى موضوع «سرايا المقاومة» قائلاً «ما يسمونها سرايا مقاومة وكنّا نسميها سرايا الفتنة، باتت سرايا احتلال لم ولن نقبل بها تحت أي ظرف، مهما كان نوع هذا السلاح، طالما أنه مطلوب توقيعنا، فلن نوقّع وسنقاوم هذا الاحتلال بكل الطرق السلمية والسياسية». • والنقطة الثانية استعادة نصر الله في مقابلة مع قناة «المنار» الهجوم على «تيار المستقبل» من بوابة حرب يوليو 2006 اذ حمل بشدّة على حكومة الرئيس فؤاد السنيورة حينها متهماً إياها بأنها لم تكن تريد وقف الحرب قبل أن يتم نزع سلاح «حزب الله»، مشيراً إلى أن الأمر ما يزال كما هو، وأنه كان هناك مَن راهن على إسرائيل، ليطلّ على الحاضر مصوّباً ايضاً على «المستقبل» دون تسميته ومشدداً على ان الجيش اللبناني يستطيع مكافحة الارهابيين في عرسال لكن ما يمنعه هو قرار سياسي و«النصرة» لديها حلفاء في الحكومة اللبنانية. وتزامن كلام المشنوق ونصر الله مع تقارير نقلتْ عن الرئيس نبيه بري «أن لا انتخابَ لرئيس للجمهورية قريباً وأن الحوار العوني - الحريري كلام في الهواء»، في حين اعتبرت أوساط سياسية عبر «الراي» أن مظاهر بلوغ عنق الزجاجة تقترب من الاكتمال، وان فريق «8 آذار» يوشك على «الإطباق» على الأزمة رافعاً بيد سلاح «التهديد الأمني» وباليد الأخرى ورقة تعطيل الحكومة كلياً عبر «صاعق» التمديد، وتلويح فريق عون بخياراتٍ للردّ وإن لم تبلغ الحدّ الأقصى (الاستقالة) في المرحلة الاولى، الا انها ستكون بمثابة «الزناد» لتفجير الحكومة في التوقيت الملائم لفريق 8 آذار كواحدة من الخيارات التي يتم تجميعها لمحاولة فرض تسوية بشروط هذا الفريق، والتي تشمل ايضاً «الخيار الأمني» الذي يبقى اللجوء اليه مكلفاً في ظل عنصر النزوح السوري خصوصاً، والاحتقان السني غير المسبوق حيال الحزب، من دون إغفال عنصر التفجيرات او الاغتيالات الذي كان أطلّ عبر صحيفة قريبة من «8 آذار» نسبت الى «داعش» إصدار أمرٍ بتفجيرات في مناطق درزية ومسيحية واغتيالات تشمل النائب وليد جنبلاط. وكان بارزاً في هذا السياق إعلان منسّق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» فارس سعيْد انه «مع انسداد الأفق الداخلي والإقليمي والدولي أكرر تخوفي من انزلاق لبنان مجددا نحو موجة من العنف وربما الاغتيالات، حزب الله في مأزق حقيقي». وفيما تعتبر دوائر مراقبة في بيروت ان هذا المناخ التهويلي من 8 آذار قد يكون في إطار «حرب نفسية» على خصومها وللضغط نحو وضْع الملف اللبناني على طاولة البحث الاقليمي - الدولي لإنجاز التسوية بالتوقيت الذي يريده «حزب الله» قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية وعلى قاعدة «خريطة الطريق» نفسها التي اعتُمدت العام 2008 (مع بعض الإضافات) مستفيداً من «الرعب» الدولي من اي تفلُّت للوضع اللبناني الذي صار «مستودعاً للنازحين»، فإن الأوساط السياسية المطّلعة ترى ان لبنان دخل منعطفاً خطيراً قد يتمّ فيه اللجوء الى «أسلحة الاحتياط» لكسْر التوازنات وفرْض حلول «قيصرية» وفق السلّة المتكاملة التي ترفضها 14 آذار، معتبرة ان الأيام الأخيرة أظهرتْ ان «مبادرة» نصر الله حيال الحريري وإمكان القبول بعودته لرئاسة الحكومة بحال سار بعون رئيساً للجمهورية لم تكن الا في سياق «مراكمة عناصر المعركة» عبر محاولة إظهار الحريري والسعودية كعنصر التعطيل للانتخابات الرئاسية وليس في إطار رغبة فعليّة بالحلّ، بدليل أن حليف الحزب الرئيس بري ما زال على رفْضه وصول عون إلى قصر بعبدا.
مشاركة :