فِي السّعودية -كَمَا في غَيرها- هُنَاك أُنَاس لَا يَعرفون فَنّ الاستمَاع، ولَا يُدركون مُتعة الإنصَات إلَى القصَص والحِكَايَات، بَل يُقاطعونك ويُشتِّتون أفكَارك؛ مِن خِلال مُدَاخلات سَاذِجَة، أَو لَا عَلَاقة لَهَا بالمَوضوع، وقَد وبَّخ أسلَافُنَا في الحِجَاز؛ مَن يُقاطع المُتحدِّث أثنَاء حَديثه، فقَالوا: «اقطَع عُنق الرَّجُل ولَا تَقطع حَديثه».. وحتَّى لَا يَضيع الكَلَام في التَّنظير، دَعونَا نَضع الأمثلَة والشَّواهِد، ونُكحِّل عين المَقَال بالأمثَال: تَسرد لأحدِهم قصّة قَائلاً: «سَافرتُ بالطَّائرة إلَى أَذربيجَان..»، وقَبل أَن تُكمل جُملتك يُقاطعك قَائلاً: «أنَا لَا أُحب السَّفر بالطَّائرة»، وكَأنَّك تَسأله: هَل تُحبّ السَّفَر بالطَّائِرة أَم لَا..؟! وإذَا حَاولتَ أَنْ تُكمل القصّة قَائلاً: «سَافرتُ بالطَّائِرة إلَى أَذربيجَان..»، قَاطَعك مَرَّة أَخرَى قَائلاً: «لَو أَنَا مَكانك؛ لسَافرتُ إلَى لَندَن بَدلاً مِن أَذربيجَان»، وكَأنَّك تَسأله أيضاً: هَل تُفضّل السَّفَر إلَى أَذربيجَان أَم إلَى لَندَن..؟! ثُمَّ تَأخذ نَفساً عَميقاً وتَقول: «بَعد أَنْ وَصلتُ إلَى أَذربيجَان؛ أَخذتُ قِسطاً مِن الرَّاحة، ثُمَّ تَناولتُ اليَغمش والمَنتو، حَيثُ اكتَشفتُ أنَّهم يُجيدون طَبْخ هَذه الأطعِمَة»، وهُنَا يُقاطعك المُستمع قَائلاً: «يَا الله.. هَل تُصدّق أنَّني أَعرف مَطعماً في جُدَّة؛ لَديه أَفضَل يَغمش ومَنتو»..؟! ثُمَّ تَأخذ آخر نَفَس عَميق وتَقول: «الجَوّ في أذربيجَان كَان لَطيفاً، يَميل إلَى البرُودَةِ والمَطر المُستَمر»، عِندَها يُقاطعك قَائلاً: «أنَا أَكرَه البَرد والمَطَر». إلَى هُنا تَزهد في القصّة وإكمَالها، قَائلاً في نَفسك: «مِن الأفضَل أَن أَكتم أنفَاسي، وأَبتَلع قصّتي وأسكُت»..! حَسناً.. مَاذا بَقي؟! بَقي أَنْ نَقول: مَا أَحوجنَا إلَى فَنِّ الاستمَاع والإنصَات، فحَتَّى تَكون مُستمعاً جَيّداً؛ يَجب أَنْ تَكون مُنصتاً جيّداً، ذَلك أَدنَى أَن تَفهَم، وتَستوعب مَا يُقال، ولقَد صَدَق الشَّاعر «إيليا أبوماضي» حِين قَال: يَا رَفيقي أنَا لَولَا أَنتَ مَا وَقّعت لَحنًا هَذه أَصْدَاء روحِي، فلتَكُن روحك أُذنًا إنْ تَجد حُسنًا فخُذه واطرَح مَا لَيس حُسنًا إنَّ بَعض القَولِ فَنٌّ فاجعَل الإصغَاء فَنًّا!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com