تركيا على مفترق طرق

  • 8/24/2016
  • 00:00
  • 35
  • 0
  • 0
news-picture

يقولون «إن العالم كله يهاجم تركيا، ويدعم داعش وحزب العمال الكردستاني وجماعة غولن من أجل تقسيمها وتدميرها». وهذا لسان حال الحكومة التركية ووسائل الإعلام المقربة منها التي تلوّح بـ «العدو الخارجي» الذي يريد تحطيم تركيا. لكن، لماذا يريد العالم تدميرنا، ولماذا هذا الحقد الدولي كله علينا؟ ولا تتساءل الحكومة عما سيكسب العالم من خراب تركيا أو من اندلاع حرب أهلية فيها مثل العراق أو سورية؟ لا أعتقد أن الحكومة تملك جواباً عن هذا السؤال. لكن، لماذا تكرر على مسامعنا أننا مبتلون بكراهية دولية غير مسبوقة؟ ثمة سببان وراء هذا الخطاب، أولهما التستر على أن المشاكل التي ابتلينا بها أخيراً سببها الحقيقي الإدارة السيئة للدولة والسياسات الخاطئة. ففي مسألة المفاوضات السلمية مع «حزب العمال الكردستاني»، لا تريد الحكومة أن تقر بأنها ضحت بالمفاوضات مخافة تراجع أصواتها في الانتخابات الأخيرة، وأنها تغاضت عن جمع «الكردستاني» السلاح وتخزينه أثناء المفاوضات. فهي لم تأخذ بنصيحة من نبّه الى أن «حزب الاتحاد الديموقراطي» يتقدم في سورية وفي نيته إنشاء كيان كردي هناك، ودعاها الى الإسراع في التفاهم والتفاوض مع «الكردستاني» لقطع الطريق عليه (الاتحاد الديموقراطي). فالحكومة استخفت بحديثنا المبكر قبل ثلاثة أعوام عن ذلك. وهي لا تريد الاعتراف بأنها تخلت عن مفاوضات السلام من أجل مشروع الرئاسة الذي يحتاج إلى أصوات القوميين. وعندما نصحناهم بالعودة الى المفاوضات أصموا آذانهم، وردوا على «الكردستاني» بمثل لغته، أي العنف والحرب، وأعلنوا أن كل من يخالف هذه السياسة خائن وعميل. الى أن بلغت الحال هذا المبلغ اليوم، فخرجت الحكومة وأنصارها ليقولوا لنا «إن قوى خارجية تستخدم حزب العمال الكردستاني لإخضاعنا وتقسيم بلادنا». ثمة مسألة شبيهة بهذه القصة أو هذا الزعم، وهي مسألة «داعش». والحكومة لم تستمع الى من نصح وحذر من غلبة الإسلاميين على المشهد السوري، وسمحت لكل «مجاهد» جاء من أصقاع الأرض قاطبة بأن يدخل الى سورية، حتى ظهر تنظيم «داعش»، وتذرعت به القوى الغربية وروسيا من أجل إرسال قواتها الى سورية فيما نحن نتفرج. وحصل ما حذرنا منه، فارتدت هجمات «داعش» الى أرضنا، واستغل مسلحو التنظيم التسهيلات التي وفرتها لهم المافيات على أرضنا من أجل التحرك بيسر وسهولة. فكان شعبنا هدف هجماتهم الإرهابية المتكررة. ودعمت الحكومة التركية المعارضة المسلحة، تحديداً تلك المتطرفة إسلامياً، وهي، اليوم، صارت مضطرة الى التخلي عنها بعد الاعتراف بفشل سياساتها في سورية، وننتظر ردها (المعارضة المسلحة) على ذلك قريباً. بعد هذا كله تقول الحكومة إن «قوى غربية تستخدم داعش لإخضاعنا وتقسيم أرضنا». والمسألة الثالثة مسألة جماعة فتح الله غولن. فالحكومة ما فتئت تدافع عن هذا الداعية وتمدحه عندما كانت جماعته تفتك بالعلمانيين واليسار وبمؤسسات الدولة في الجيش والقضاء والأمن. ولا تريد الحكومة الإقرار بأنها وقفت موقف المتفرج والرضا، وهي ترى هذا الأخطبوط يكبر ويتمدد لأنه كان يفتك بالمعارضين وحدهم. ولم تخفَ عليها مهزلة محاكمة العسكريين وهي تدرك أن المحاكم صارت بين أيدي جماعة غولن وأنهم هيمنوا على الأمن والاستخبارات. ولم يزعجها مآل نفوذ الغولنيين على رغم أنهم سعوا الى التخلص من ذراع أردوغان اليمنى، رئيس الاستخبارات، هاكان فيدان، قبل عامين. ولم تنزعج الحكومة من غولن إلا عندما استدار ذاك الأخطبوط لتلتفّ ذراعه حول أردوغان. عندها، صار تنظيم غولن تنظيماً إرهابياً، وتحولت العلاقة مع ذلك الأخطبوط الى حرب ضروس فكان رده بمحاولة الانقلاب العسكرية. بعدها تقــول الحكومة «إن القوى العالمية تستخدم غولن من أجل هدم دولتنا وتقسيم أرضـــنا». وتسوّغ ما تقوله بزعم أن الغرب يكرهنا. ولكن لماذا يكرهنا؟ ترد الحكومة «لأسباب اقتصادية. فالغرب هاله أن مشاريعنا الاقتصادية ضخمة، من مطار جديد، وجسر ثالث على البوسفور، ومدينة إسطنبول الجديدة، لذا، يريد تحطيم ذلك كله». وهذا جواب لا يقنع طفلاً! لا ننفي أن ثمة في الغرب أو العالم من يكرهنا أو يحاول أذيتنا. ولا بد أن مصالح بعض الدول تتعارض مع مصالحنا وتحاول الاستفادة من نقاط ضعفنا. لكن الحكومة مسؤولة عن نقاط الضعف، وعن تكاثرها، وعدم تبديد ذرائعها. وهذا ما لن يحصل إلا بالاعتراف بهذه الأخطاء والسعي الى إصلاحها وليس التمادي فيها. السبب الثاني وراء خطاب الحكومة عن عداء الغرب لنا، ربط أردوغان مصيره بمصير تركيا. فسياسة «كلنا فداء أردوغان» و»الغرب يكرهه فيعادي تركيا ويتمنى لها الشر»، ستقود تركيا إلى ما كانت عليه ليبيا أو العراق أو سورية! فهي سياسة تحميل كل تركيا أخطاء سياسي واحد، فيحتمي أردوغان بها. فهل يجمع الشعب التركي على سياسات أردوغان الخارجية؟ وهل كل الأتراك يوافقون على سياساته في سورية؟ لكن الشعب التركي مضطر الى الدفاع عن أردوغان أمام الغرب الذي ينتقد سياساته في سورية! وهذه المعادلة الحكومية تزعم أننا إذا لم ندافع عنه، فإننا نتخلى عن تركيا. ولكن، هل في الإمكان الخروج من هذا المأزق؟ نعم، لكن السبيل الى ذلك هو مراجعة حقيقية لسياساتنا عبر تفعيل البرلمان عوض الاكتفاء بقوانين الطوارئ لحكم تركيا، والاستماع الى نصائح المعارضة ورأيها، ورفع القيود عن الحريات في الإعلام والجامعات، والتخلي عن سياسة التصريحات النارية الخاوية والتحدي الفارغ، والعودة إلى سياسات واقعية. خلاصة القول أن السبيل الى الخروج من الأزمة هو النهج الديموقراطي، ولو اضطر الرئيس أردوغان الى التراجع خطوة الى وراء في المشهد السياسي ليتقدم رئيس الوزراء، بن علي يلدريم، الى الصدارة. فيمنحه الرئيس فرصة فتح صفحات جديدة مع الأطراف كلها في الداخل والخارج.      * كاتب إسلامي كردي معارض، عن «ديكان» التركي، 21/8/2016، إعداد يوسف الشريف

مشاركة :