استمع خيري منصور ليست السياحة مقتصرة على المعنى الشائع لها، وهو زيارة الأماكن التاريخية، والمقدسة والتعرف إلى بلدان الآخرين، فهناك قراءة سياحية، وبمعنى أدق أفقية يتجول فيها القارئ بين السطور والفصول خصوصاً في التاريخ ويعود منها بخفيّ حُنَيْن! وهناك أيضاً مقاربات سياسية في ظاهرها ومفرداتها، لكنها في العمق سياحية، والأمثلة على ذلك عديدة، ومنها ما كان يكتب عن لبنان في ستينات القرن الماضي، بحيث فوجئ من قرأوا لبنان سياحياً بحرب أهلية، وتكرر الأمر مع العراق، الذي كان يبدو للبعض وكأنه امتداد للدولة العباسية، لكن بعد أن أضيئت بالكهرباء، واستبدلت فيها الخيول والبغال بالسيارات والشاحنات والقطارات. ومعظم ما كان يكتب عن العراق خلال ثلاثة عقود على الأقل لم يكن مؤهلاً للكشف عن النسيج الاجتماعي ومكونات الدولة، لهذا حين حدث ما حدث لم يكن لديهم ما يبطل العجب! إن فض الاشتباك بين السياحي والسياسي، يتطلب أولاً إعادة تعريف السياحة ومن ثم تحرير مصطلح السياسة من الزنزانة التي حشر فيها، فهي ليست مجرد دسائس ومراوغات وبراغماتية عمياء، وقد لا يكون حتى تعريفها التقليدي بأنها فن الممكن دقيقاً لأن هناك فكراً سياسياً طرق بوابات المستحيل، وقد يكون ما يصدر في هذه الفترة من دراسات في مجال علم النفس السياسي وعلم الاجتماع السياسي والأنثربولوجيا السياسية مرشحاً لإحداث انقلاب جذري في مفهوم السياسة التقليدي. ما نخشاه هو أن معظم ما يكتب تحت عنوان السياسة سياحي في العمق. سواء من خلال أفقية القراءة أو التجوال على السطح، فالمخفي هو الأعظم والمسكوت عنه أضعاف مضاعفة للمسموح به!
مشاركة :