ابن رشد.. فيلسوف لا يقلد أحداً

  • 8/31/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: الخليج كان مفكرو الغرب أكثر معرفة بالفيلسوف ابن رشد من المسلمين، فقد كان أثره عظيماً، في توجيه الثقافة الأوروبية، منذ القرن الثالث عشر الميلادي، سواء كان ذلك التأثير في مجال الدراسات العلمية أم في مجال الدراسة الفلسفية والدينية، ويكفي أن نشير هنا إلى أن طلائع النهضة الحديثة الأوروبية كانوا ينسبون أنفسهم إليه، فقالوا إنهم هم الرشديون اللاتينيون، أما في مجال التفكير الفلسفي فما زال أثر ابن رشد واضحاً في فلسفة العصور الوسطى الأوروبية، خاصة في تفكير توماس الأكويني، أما في العصر الحديث فإن تفكيره جارح ماثلاً في المدرسة الأكوينية الجديدة. حصل ابن رشد العلوم العربية والإسلامية، ثم درس الطب والحكمة على غرار كبار مفكري الإسلام من أمثال ابن سينا والفارابي، وقد عاصر الفيلسوف الأندلسي الكبير ابن طفيل، صاحب القصة الفلسفية الشهيرة حي بن يقطان، وهو الذي قدمه إلى الخليفة أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن الذي عني بحشد العلماء والحكماء في بلاطه، كما عني بجميع كتب العلم والفلسفة من أقطار الأندلس والمغرب حتى كانت مكتبته تضاهي مكتبة الحكم المستنصر بالله الأموي. وعهد الخليفة أبو يعقوب يوسف إلى ابن رشد مهمة شرح كتب أرسطو، فنهض ابن رشد بهذه المهمة على أكمل وجه، وخصص قسطاً كبيراً من وقته وجهده لإعداد هذه الشروح التي عرف بسببها في أوروبا باسم الشرح الأكبر، ولا يزال هذا اللقب وقفاً عليه حتى اليوم، وإلى جانب هذا العمل العلمي عهد إليه الخليفة بأن يلي منصب القضاء في إشبيلية، وبقي في هذه المدينة سنتين ثم عاد إلى قرطبة وتابع شروحه لأرسطو. نجح الفقهاء في الكيد له لدى الخليفة، الذي أمر باعتقاله ونفيه إلى قرية خاصة باليهود، وأحرق كتبه وأصدر منشوراً لعامة المسلمين، ينهاهم فيه عن قراءة كتب الفلسفة أو التفكير في الاهتمام بها، وهدد من يخالف أمره بالعقوبة الصارمة، وقد ألقى ذلك بظلاله الكثيفة على سيرة ابن رشد، الذي صور في صورة المفكر المتحرر، بل المارق، مع أن منهجه في التدليل على عقائد الإسلام، ربما كان أفضل المناهج، لأنه استطاع أن يجمع فيه بين العقل والشرع على أفضل وجه. أراد ابن رشد أن يبرهن برهنة تفضيلية على فساد مناهج علماء الكلام، وأن يبين كيف تصدع الصرح وتشتت الفكر، وتفرقت الأمة بسبب جدل علماء الكلام وانصرافهم إلى تفكير بعضهم بعضاً، وإلى تقليد أساتذتهم وتعطيل عقولهم فانصرفت كل فرقة إلى اللجج والتظاهر بالمعرفة، ولو كان ذلك على حساب التفكير السليم والشريعة الحقة. وهنا يقول د. محمود قاسم: في رأينا أن علماء الكلام وإن ظنوا أنهم أقرب إلى روح الدين، من أمثال الكندي وابن رشد، فإنهم لم ينصفوا أنفسهم ولم ينصفوا الفلاسفة، فقد كان منهج الكندي وابن رشد أقرب إلى منهج القرآن، من منهجهم، في كثير من المسائل، بل نقول إن منهجهم كان منهجاً واهياً لأنه نهج جدل لا نهج إقناع، بل هو أعجز عن أن يقنع علماء الكلام أنفسهم بدليل أنهم لم يؤلفوا إلى ما فطن إليه ابن رشد، وهو أن خلافهم في كثير من المسائل يرجع إلى سوء تحديدهم إياها. في كتابه مناهج الأدلة، يبين لنا ابن رشد أن المشكلات التي فرقت بين الأشعرية والمعتزلة مشكلات مزعومة، بل هي مشكلات لفظية، وأن المسائل لو عولجت بطريقة علمية منطقية بعيدة عن روح التعصب، لما وجد هؤلاء ما يوجب الخلاف بينهم، أو ما يدعو إلى التراشق بالكفر. لم يشأ ابن رشد أن يكون مقلداً للأشاعرة أو المعتزلة في استخدامهم المعجزات المادية دليلاً على النبوءة، بل كان معنياً أكثر بالتشريع الذي جاءت به الكتب المقدسة، لاسيما القرآن الكريم، إلى جانب صفات النبوة التي تحققت فيمن نزلت عليهم هذه الكتب السماوية.

مشاركة :