مشهدان في طوابير السيارات المحتشدة أمام محطات البنزين ليلة رفع الأسعار، مشهد يعكس صورة واقعية لمواطن يدخر اليوم ليصرف في الغد وفق مبدأ البنزين الأبيض ينفع في اليوم الأسود، ومشهد يعكس صورة غير واقعية لحكومة توفر سنوياً من جيب المواطن ما تهدره في شهر على عين المواطن من الجانبين. يبدو أن لدينا شعبا ملائكة وحكومة ليست كذلك، لكن الواقع أن حتى العكس غير صحيح فلا الحكومة حكومة ملائكة ولا الشعب غير ذلك، وكلا الطرفين بشر يصيبون ويخطئون ونسبة الصواب والخطأ أمر نسبي وزمني كذلك فما نراه خطأ قد يراه غيرنا صواباً، والعكس صحيح وما نراه خطأ اليوم قد نراه صواباً غداً. أما وقد استنفدنا كل التحليلات الاقتصادية والسياسية لتحليل صواب قرار رفع أسعار البنزين من خطئه، وبات القرار نافذاً وليس أمام المواطن خيار غير الدفع أو الدفع، فإن النتيجة الوحيدة التي يمكن استخلاصها أن دفع المواطن ليس بإمكانه دفع عربة التنمية لحكومة وضعت عصاها أمام الدولاب، كيف يمكن إقناع مواطن يعرف أن ما يجوعه لا يشبع الحكومة لأنها شبعانة أصلاً ولديها ألف مورد ومورد لضمان شبعها لأعوام دون أن يجوع هو ولو جاع لا يرى عائداً لجوعه من مشاريع وخدمات تستحق الجوع لأجلها؟ ولأنه لا يستطيع التنبؤ بأفعالها تجاهه ولا ردود فعلها نحوه لجأ إلى الصرف فالهدر إيماناً بمبدأ اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب، فأتى الغيب حاضراً وصل فيه المواطن الشبعان إلى حد الإفلاس الفكري من جميع الأطراف، وبات يتنقل بين الطرفين في بلد لا فرق فيه بين الطرفين أصلاً فيصبح تارة حكومياً وطوراً معارضاً ولسان حاله يقول: «نبي ناكل وياكم في زمن من صادها عشى عياله»، لذا لا عجب إن أصبح المواطن يحسبها بالفلس حتى وصل حد الفلس «لأن مال البخيل ياكله العيار» ولمعرفة البخيل من العيار فتش في طوابير البنزين... والله المستعان. reemalmee@
مشاركة :