أوصى خطيبا المسجد الحرام والمسجد النبوي في خطبتي الجمعة أمس بضرورة التأسي بسنة رسول الله في عشر ذي الحجة، مذكرين بأن شعيرة الحج لَا يدعى فيها لغير الله، ولا يجب أن ترفع فيها شعارات طائفية، ولا دعوات سياسية، فما جعل الله الطواف بالبيت، ولا رمي الجمار، ولا الوقوف بعرفة، ولا المبيت بمزدلفة، ولا السعي بين الصفا والمروة، إلا لذكر الله وحده لا شريك لَه. وتحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي عن فضل خدمة وفود الرحمن دليل على شرف الاصطفاء، وعظيم الاجتباء، وَقد خص الله به بلاد الحرمين، المملَكَة العربية السعودية، فَقَامَتْ بِهِ خَيْرَ قِيَامٍ، مِنْ تَهْيِئَةٍ لِلْمَشَاعِرِ، وَعِمَارَةٍ لِلْمَسْجِدِ الحَرَامِ، لِيُتِمَّ الحُجَّاجُ مَنَاسِكَهُمْ، فِي أَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَرَاحَةٍ وَاطْمِئْنَانٍ، فَجَزَى اللهُ خَيْرًا كُلَّ مَنْ عَمِلَ فِي خِدْمَةِ ضُيُوفِ الرَّحْمَنِ، وَبَارَكَ فِيهِ وَوَفَّقَهُ، وَأَعَانَهُ وَسَدَّدَهُ. وعن فضل العشر من ذي الحجة ِالَّتِي أَقْسَمَ بِهَا سبحانه وتعالى فِي كِتَابِه فَقَالَ: (وَالفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ)، ذكر الشيخ المعيقلي أن الله خَصَّهَا سُبْحَانَهُ بِمَزِيدٍ مِنَ الفَضْلِ وَالأَجْرِ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قَالَ « مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟»، يَعْنِي: أَيَّامَ العَشْرِ؛ـ قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء". وبيَّن الشيخ ماهر المعيقلي أنه َيَتَأَكَّدُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ، صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الحَاجِّ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ:«صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» لافتًا النظر إلى أنه مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّي، فليُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ، مِنْ رُؤْيَةِ هِلَالِ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ إِلَى أَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَتَهُ، لما جاء فيْ حَدِيْثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ»، مضيفًا أِنَّ مِنَ الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ الجَلِيلَةِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ، خِدْمَةَ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، فَهَذَا رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وَسَلَّمَ فِي يَومِ النَّحْرِ، لَمَّا رَأَى بَنِي عُمُومَتِهِ يَعمَلُونَ عَلَى سَقْيِ الحُجَّاجِ مِنْ بِئْرِ زَمْزَمَ، قَالَ لَهُمْ: «اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ، ولَوْلاَ أَنْ تُغْلَبُوا، لَنَزَلْتُ حَتَّى أَضَعَ الحَبْلَ عَلَى هَذِهِ»، يَعْنِي: عَاتِقَهُ، وَأَشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ومن جانبه عدد فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالباري بن عواض الثبيتي في خطبته المبادئ التي جاء بها الإٍسلام لحفظ النفس البشرية وصيانتها ومنع التعدّي على الحرمات وانتهاكها، موردًا وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع، مسهبًا في ذكر الفضائل الجمّة لأيام العشر من ذي الحجة، وما يشرع فيها من أعمال للحاج وغير الحاج. وذكر أن الإسلام يبني الأمن في نفس المسلم، ويبني العلاقات الكريمة بين الناس في روابط إيمانية، أخوة في الله لها حقوق وعليها مسئوليات، أرحام توصل، وبرّ للوالدين، وحسن جوار، وصحبة وسكن وزواج، مضيفًا أن من مبادئ حقوق الإنسان في الإٍسلام، أنه لا يجوز أن يؤذى إنسان في حضرة أخيه، ولا أن يهان في غيبته، سواء أكان الإيذاء للجسم أو للنفس، بالقول أو بالفعل، كما حرّم الإسلام ضرب الآخرين بغير حق، ونهى عن التنابز والهمز واللمز والسخرية والشتم. وأوضح الشيخ الثبيتي أن الإسلام كفل الاحترام للمسلم بعد مماته، فأمر بغسله وتكفينه والصلاة عليه، ودفنه، ونهى عن كسر عظمه، أو الاعتداء على جثته وإتلافها، فقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تسبّوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا). وعدّد فضيلته وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين في خطبة الوداع، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام (ألا كلّ شيء من أمر الجاهلية تحت قدميّ موضوع)، وبيّن فضيلته أن الدماء في الجاهلية كانت رخيصة، وكانت النفس الإنسانية هيّنة، فجاء الإٍسلام ليضع للحياة أسسًا، تُحترم فيها النفس الإنسانية وتجعل قتلها دون مبرّر جريمة في حق البشرية، قال تعالى "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا".
مشاركة :