لم يتمكن قطاع إنتاج مادة الفوسفات في تونس من استرجاع مستويات الإنتاج التي كان عليها سنة 2010، وواصل تعثره مسجلا خسائر قياسية على مستوى المداخيل من العملة الصعبة وضياع الكثير من الأسواق التقليدية التي كانت مرتبة بعقود طويلة المدى مع شركة فوسفات قفصة التي تمثل الحكومة في مفاوضاتها مع الموردين. ووفق الأرقام الحكومية الرسمية، تراجع إنتاج الفوسفات بنحو 60 في المائة، إذ بلغ سنة 2015 نحو 3.2 مليون طن، وانخفض تحويل الفوسفات إلى مواد أخرى إلى 2.5 مليون طن. وطوال سنة 2015، لم يتم نقل سوى 2.3 مليون من مادة الفوسفات القابلة للتحويل، في حين أن الكمية المنقولة كانت لا تقل عن 7.3 مليون طن خلال سنة 2010. وقدر رمضان سويد الرئيس، المدير العام لشركة فوسفات قفصة والمجمع الكميائي، حجم الأرباح التي فوتتها تونس في هذا القطاع الحيوي بنحو خمسة مليارات دينار تونسي (نحو 2.5 مليار دولار) منذ سنة 2010. وكان قطاع المناجم والفوسفات قبل سنة 2011 يساهم بنحو 9 في المائة من إجمالي عائدات الصادرات التونسية، وقد فقد الكثير من النقاط خلال السنوات الماضية. وأشار سويد إلى التراجع الكبير على مستوى الإنتاج الذي أثر على حركة تصدير مادة الفوسفات، وقال إن نحو 700 باخرة كانت تغادر تونس سنويا محملة بمادة الفوسفات متوجهة إلى نحو 50 دولة من دول العالم، وهي اليوم قليلة العدد. وتعمل الشركة على استرجاع النسق العادي للإنتاج والارتقاء به إلى حدود 8 ملايين طن من الفوسفات التجاري، وتحقيق التوازنات المالية للمؤسسة ومواصلة إنجاز المشاريع المبرمجة لتطوير الإنتاج، إلا أنها تصطدم بعدة عراقيل على رأسها الاحتجاجات الاجتماعية في مناطق الإنتاج المعروفة في تونس بـ«الحوض المنجمي» الواقع جنوب غربي تونس، والتوقف المتواصل منذ أشهر عن الإنتاج نتيجة اعتصامات العاطلين عن العمل وغلق الطرقات الرابطة بين مناطق الإنتاج ومناطق التصنيع خاصة في مدينتي قابس وصفاقس. وبلغ معدل إنتاج شركة فوسفات قفصة منذ بداية شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، نحو 800 ألف طن من الفوسفات التجاري، أي بنقص بلغت نسبته 40 في المائة بالمقارنة مع الهدف الذي ضبطته هذه المؤسسة والرامي إلى إنتاج مليوني طن خلال الفترة نفسها. وارتفع عدد العمال في شركة فوسفات قفصة من 12 ألف شخص إلى 25 ألفا حاليا، وهو ما أثر على كتلة الأجور التي باتت تلتهم الجانب الكبير من المداخيل الشحيحة نتيجة تراجع الإنتاج. وسيطرت تونس على قطاع إنتاج الفوسفات والكثير من مشتقاته لسنوات متتالية، وحافظت على مراتب متقدمة على المستوى العالمي، إذ كانت المصدر الأول في العالم لـ«ثلاثي الفوسفات الرفيع»، والثانية في الترتيب العالمي لمادة «الفوسفات المحول» (دي إي بي). كما احتلت لسنوات المرتبة الخامسة عالميا في إنتاج الفوسفات الخام، إلا أنها خسرت الكثير من مواقعها الهامة على المستوى العالمي لصالح الدول المنافسة وفقدت الكثير من الأسواق الاستراتيجية على غرار السوق الهندية. وتطالب الأطراف الممثلة لجهة قفصة بتخصيص نسبة قدرها البعض بنحو 20 في المائة من مداخيل شركة فوسفات قفصة لتنمية مدن الحوض المنجمي، إلا أن هذا المطلب يصطدم بمعارضة الحكومة التي ترى في إقراره فتح مجالات أخرى للاستحواذ على الثروات العامة خاصة في مجال النفط والمعادن، وتعتبر أن هذا الإجراء في حال تنفيذه قد يفتح أبواب تقسيم البلاد وفق الثروات الباطنية المتوفرة في كل جهة. وتقترح الحكومة في المقابل تنويع المشاريع الاستثمارية وتغيير منوال التنمية في مناطق إنتاج مادة الفوسفات حتى لا تعتمد على هذه المادة فقط في ضمان التنمية والتشغيل.
مشاركة :