"الحب وأشياء أخرى" من مسلسلات الراحل أسامة أنور عكاشة القديمة، والأقل شهرة، مقارنة بباقي روائعه "ليالي الحلمية وأرابيسك والشهد والدموع". يحكي المسلسل عن سامح خريج معهد الموسيقى ابن الحارة المصرية، الذي يعمل في مدرسة حكومية، سامح خريج "الكونسرفتوار"، نموذج للإنسان المهذب الذي يحس بالجمال وينفعل به ويؤلف موسيقى يغلب عليها الطابع الغربي، يقع سامح في غرام الطبيبة الجميلة الغنية هند، وهي ابنة طبيب كبير ثري ويملك مستشفى خاصاً يورثه لابنته، ورغم سطوة الأب والفارق الاجتماعي ينجح الحبيبان في الارتباط ويتزوجان، رغماً عن والد الفتاة الذي رضخ لرغبة ابنته لكنه حاول تقليل الخسائر بسحب سامح لعالمه، فعرض عليه العيش في فيلته، لكن سامح يرفض واعتبر أنه في تحدٍّ كبير مع والد هند لإنجاح زواجه. وتبدأ الفترة الأولى من الزواج بكل جمالها، كتتويج لحالة الحب العميق القوي الذي نجح في التصدى للفارق الاجتماعي، اتفق سامح مع زوجته على أن تعيش معه في شقة في حارته، وتكون هذه هى فترة "الحب" في المسلسل التي لا تتعدى 5 حلقات، ثم تبدأ حلقات "الأشياء الأخرى" التي تحول الحياة إلى صراع، يستمر إلى آخر حلقات المسلسل الـ18 وتؤدي لفشل الزواج. سامح يواجه أزمتين؛ الأولى هي أزمة معنوية تتركز في عدم تقدير المجتمع له كفنان موهوب في تأليف الموسيقى، واحترامهم أكثر لمهنة زوجته الطبيبة، رغم أن الفنان يعتبر استثناء وسط آلاف من خريجي الطب والهندسة، فيتلمس سامح نظرات وكلمات التشجيع والتقدير ممن حوله لكي يشعر بالنجاح، بعد أولى حفلاته مع أوركسترا القاهرة السيمفوني، أما زوجته فمهنتها وحدها هي شهادة نجاح لها. الأزمة الثانية هي تحقيق زوجته لعائد مادي ضخم يعجز سامح عن توفير مثله، يتطور الأمر بالتدريج إلى ما يشبه العقدة، فهو يعتقد باستمرار أن زوجته لا تقدره كفنان، وأنها تشعر بالتفوق عليه، ويسهم أكثر في ازدياد الخلافات بين هند وسامح محاولة والدها استعادة ابنته إلى عالمها الأصلي بجعلها مسؤولة عن إدارة مستشفى والدها، يهمل سامح موهبته الموسيقية وينشغل بجذب هند إلى عالمه؛ لكي ينتصر على والدها. بالتدريج تظهر آثار الأزمة المادية فيقرر العمل في ملهى ليلي؛ ليثبت لزوجته أنه قادر على توفير دخل كبير مثلها، ترفض هند عمل سامح الجديد؛ لأنه يسيء إلى مركزها الاجتماعي، ويرفض سامح طلب هند رغم أن روحه تتعذب كفنان، يعزف خلف راقصة، فهو في أول يوم عمل له يتوقف عن العزف ويجري هارباً، تتصاعد الخلافات بينهما ويرفض سامح طلب زوجته في الطلاق، رغبة منه في إذلالها، إلى أن يفيق على كلمات التوبيخ من أستاذه في الموسيقى، الذي قال له إنه انتهى كفنان، ومن الأفضل له التفرغ للقضايا بينه وبين زوجته، فيقرر سامح أن لا يضيع وقتاً أكثر من ذلك فيطلق هند، ويسافر للخارج من أجل تطوير موهبته. حاولت من خلال الحوارات الجميلة والصعبة في المسلسل التوصل لأسباب فشل الزواج، لكن أسامة أنور عكاشة نفسه كان متردداً في ذكر أسباب قاطعة، فنجده يذكر سبباً ثم يتراجع عنه في مشهد آخر، أو يعطيك سبباً وتحليلاً جديداً في مشهد ثالث، وهذا في رأيي الأكثر منطقية؛ لأن العلاقات الإنسانية شديدة التعقيد، وليس لها قواعد محددة ترتكز عليها للنجاح أو الفشل. فتارة يؤكد أن سبب فشل الزوجين هو عدم التكافؤ الاجتماعي والمادي، ثم يوضح أنه مهما كانت الاختلافات بين الزوجين، تنجح العلاقة في حالة شعور كل طرف بأن "كل منهما مهم للآخر"، فالعلاقة لا تنجح بالتكافؤ وإنما بالتكامل ويذكر لذلك مثالاً، بأخت سامح فهي رغم عدم إنجابها فإن زواجها ناجح، فهى وزوجها يكمل كل منهما ما ينقص الآخر، ثم يعترف المؤلف أخيراً بحيرته في تحديد الأسباب قائلاً على لسان أحد أبطال المسلسل وأكثرهم حكمة: "مش فاهم العقدة فين؟ لو لقيت الحل يبقى ابعتهولي في جواب". يقول أسامة أنور عكاشة عن المسلسل، إن الحب الحقيقي في حياته كان أيام الجامعة؛ حيث ارتبط وقتها بقصة حب عنيفة، وقال عنها: "سرنا في شوارع الجامعة ورسمنا على الحوائط وذهبنا إلى جنينة الأسماك والكورنيش له معنا حكايات، وكذلك بائعو الذرة، ولكن الظروف كانت أقوى من مشاعرنا وافترقنا وتجاوزت الأزمة، وظلت قصتي بين ضلوعي إلى أن خرجت على الورق وتحولت إلى حلقات في المسلسلات التي كتبتها، أو بمعنى أدق تحولت إلى مسلسل مهم في حياتي كسيناريست وهو (الحب وأشياء أخرى)، فهذا المسلسل هو تجربتي وخبرتي مع الحب؛ حيث تعاملت مع الفكرة المشتركة وهي الظروف التي تقهر الأحباب، فالأشياء الأخرى التي تقف أمام الحب، وفي الوقت نفسه التأكيد على أن الضربة التي لا تميت تقوي". ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :