أنهت الحكومة السعودية محادثات كانت تهدف إلى إنقاذ شركة سعودي أوجيه للإنشاءات التي أصبحت تواجه حاليا احتمال إعادة هيكلة ديون بمليارات الدولارات لتفادي الانهيار كما نقلت وكالة رويترز عن مصادر وصفتها بالمطلعة وكانت أوجيه المملوكة لعائلة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري واحدة من شركتي مقاولات عملاقتين كلفتا بتنفيذ خطط التنمية الكبرى وتطوير البنية التحتية للمملكة وبناء شتى المرافق من منشآت الدفاع إلى المدارس والمستشفيات. وأثر هبوط أسعار النفط منذ منتصف 2014 وما أعقبة من خفض حاد للإنفاق الحكومي بشكل كبير على قطاع المقاولات في المملكة وعلى أوجيه بوجه خاص بالنظر إلى حجم الشركة واعتمادها على العقود الحكومية. وبحسب أرقام نشرتها الوكالة فانّ الحكومة السعودية مدينة لسعودي أوجيه بنحو 30 مليار ريال (ثمانية مليارات دولار) عن الأعمال التي نفذتها الشركة وذلك حسبما أفاد مصدر مطلع في السعودية في علامة على الضغوط على المالية العامة للبلاد جراء هبوط أسعار النفط. ومع تأخر الحصول على هذه المبالغ الطائلة كافحت أوجيه لسداد التزاماتها التي تشمل 15 مليار ريال من القروض ومليارات أخرى تدين بها للمقاولين والموردين ونحو 2.5 مليار ريال رواتب متأخرة ومكافآت نهاية الخدمة للعمال. ولم تستجب أوجيه ولا وزارة المالية السعودية لطلبات التعليق على هذا التقرير، وطلبت المصادر عدم الكشف عن هويتها لحساسية الأمر. ولم يتضح السبب وراء إنهاء الحكومة السعودية محادثات إنقاذ الشركة التي قد يتسبب انهيارها في صدمة للقطاع المصرفي السعودي وللاقتصاد بوجه عام. وتعادل 15 مليار ريال من الديون نحو ثلثي الأرباح المجمعة للبنوك السعودية في النصف الأول من 2016 إلا أن الوضع القوي الذي تتمتع به البنوك السعودية من حيث متانة رأس المال وتدني مستوى الديون غير العاملة قد يعني عدم تأثر النظام المصرفي في حالة شطب هذه الديون. وقد يتسبب انهيار سعودي أوجيه كذلك في موجة تعثر بين شبكتها الواسعة من الموردين ومقاولي الباطن وهم بدورهم من دائني أوجيه. وربما كان الجانب الإنساني المتعلق بمشاكل الشركة هو الأكثر أهمية إذ بات يؤثر تخلف أوجيه عن سداد التزاماتها على آلاف العمال من جنوب آسيا الذين تعاقدت معهم الشركة ويعيش معظمهم في مخيمات صحراوية. وقال عمال من الشركة الشهر الماضي إن أوجيه توقفت عن تزويد العديد من المخيمات بخدمات الطعام والكهرباء والصيانة والرعاية الطبية. خيارات مستبعدة هذا وقد حظت سعودي أوجيه بعلاقة وثيقة مع السلطات السعودية منذ تأسيسها عام 1978 على يد رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني السابق الذي ساعدت علاقاته القوية في المملكة الشركة في أن تصبح الخيار الأول لتنفيذ المشروعات إلى جانب مجموعة بن لادن السعودية. لكن هبوط أسعار النفط غيّر هذا الترتيب مع تأجيل المملكة لمشروعات البنية التحتية وتأخر سداد مستحقات المقاولين وهو ما سبب مشاكل مالية كبيرة لشركة بن لادن السعودية أيضا. ونقلت رويترز عن مسؤول في الإدارة الوسطى لدى سعودي أوجيه أن وزارة المالية لم تسدد منذ نحو عام مستحقات مشروع حكومي بمليارات الريالات يعمل به. وبحسب المصدر الأول المقيم في المملكة فإن الحكومة السعودية مدينة لأوجيه بعشرة مليارات ريال وافقت الحكومة على صرفها بالفعل لكن الأموال لم تحول بعد علاوة على 20 مليار ريال عن الأعمال التي تم تنفيذها وقدمت مطالباتها للدولة. وتبرز المشاكل التي تواجه أوجيه إحدى أكبر شركات القطاع الخاص في المملكة التعقيدات والدور الحكومي الكبير في الاقتصاد إذ يجري معالجة المشاكل التي تسبب فيها بصورة ما أحد الأجهزة الحكومية من قبل أجهزة أخرى في الدولة. وجرت المفاوضات بين الشركة والسلطات السعودية للتوصل لحل لمشاكل الشركة المالية هذا العام إلا أنه لم يتضح التاريخ المحدد لبدء تلك المفاوضات. ونقلت الوكالة عن مصادر مصرفية وأخرى من قطاع المقاولات السعودي فقد جرى خلال المباحثات طرح بعض الخيارات ثم نبذها مثل شراء الحكومة حصة في الشركة وبيع الأصول العقارية أو حصة في سعودي أوجيه إلى شركة نسما وهي شركة مقاولات سعودية أخرى. ولم يتضح السبب وراء نبذ الخيارات المطروحة وما إذا كان ذلك يرجع للشركة أم للسلطات السعودية. وقال المصدر الأول المقيم في السعودية إن آخر خطة طرحت على مائدة المفاوضات شملت بيع أوجيه لاستثمارات مثل أوجيه تليكوم التي تملك حصص أغلبية في ترك تليكوم وسل سي بجنوب افريقيا إلى جانب حصة 20% في البنك العربي الوطني وإن المشترين المحتملين كانوا جهات مرتبطة بالحكومة السعودية. وبحسب المصدر نفسه فإنه بحلول شهر رمضان الذي انتهى في السادس من يوليو/تموز أبلغت الحكومة السعودية أنها أنهت كافة المفاوضات. ولم تذكر المصادر السبب وراء إنهاء الحكومة للمفاوضات لكن بعض المصادر قالت إنه مازال هناك اعتقاد بين الدائنين بأن الحكومة ربما ترحب بإجراء مباحثات أخرى. ومع ذلك، أكد مصدر مصرفي أن المفاوضات الحكومية مع أوجيه كانت شرسة وهو ما قد يزيد من صعوبة التوصل لاتفاق في حالة العودة لهذا المسار. ولم تعد العلاقة بين الرياض وعائلة الحريري وكذلك بين المملكة ولبنان قوية كما كانت فيما مضى. وسمح الجمود السياسي في بيروت بتنامي دور حزب الله المدعوم من إيران الخصم اللدود للمملكة وتزايد نفوده السياسي هناك. قلق بين الدائنين في حين مازال التوصل إلى اتفاق ممكنا فقد أصبح هناك اهتمام متزايد من مسؤولي الشركة ودائنيها بكيفية قيام الشركة بإنقاذ نفسها وتقول المصادر إن إعادة هيكلة الديون تبدو الخيار الأرجح. وفي حالة المضي قدما في هذا الطريق من المرجح أن تعين أوجيه مستشارين لإعادة الهيكلة وأن تطلب من البنوك توقيع اتفاق لتجميد الديون سيحول دون اتخاذ أي إجراءات قضائية بحقها ويسمح ببدء مفاوضات إعادة الهيكلة في وقت لاحق من العام الجاري بحسب مصدرين في السعودية. ومع ذلك فهناك قلق متزايد بين الدائنين. ففي يوليو/تموز أصبحت محموعة سامبا المالية أول بنك يلجأ للمحاكم للحصول على حكم قضائي بحق سعودي أوجيه لاستعادة مستحقاته بحسب مصدر سعودي آخر. ويحتل سامبا المرتبة الثانية بين الدائنين من حيث الانكشاف على أوجيه بعد البنك الأهلي التجاري السعودي حسبما أفاد المصدر وهو ما أكده مصدر مصرفي آخر. ولم يرد بنك سامبا على طلبات للتعليق. وأقرضت البنوك السعودية الجزء الأكبر من ديون أوجيه لكن من المرجح أن بنوكا لبنانية وخليجية وعالمية أخرى منكشفة على الشركة أيضا من خلال قرض بقيمة 1.03 مليار دولار يحل موعد استحقاقه في فبراير/شباط. وقد توقد خطوة سامبا شرارة دعاوى أخرى بحق أوجيه من قبل البنوك بحسب مصادر بالقطاع ومصادر مصرفية لكن القوانين الخاصة بالشركات المتعثرة في المملكة تظل غامضة ولم تختبر بصورة كبيرة وهو ما يجعل تطبيق الأحكام القضائية أمرا صعبا. وربما كانت مشاكل ديون مجموعتي سعد وأحمد حمد القصيبي واخوانه هي السابقة الحقيقية الوحيدة في المملكة. وفي هذه القضية حصلت البنوك الدائنة على أحكام قضائية لصالحها لكن المفاوضات مازالت جارية للتوصل لاتفاق بعد أكثر من سبعة أعوام على تعثر المجموعتين. وأوضح مصدر آخر في السعودية إن حجم ديون مجموعتي سعد والقصيبي سيكون قزما بالمقارنة مع إعادة هيكلة ديون أوجيه. وأكدت مصادر مصرفية وأخرى بقطاع المقاولات أنه على الرغم من التعقيدات فمن المرجح أن تقبل البنوك الدائنة بالتوصل لاتفاق رسمي لإعادة هيكلة الديون بدلا من إجبار أوجيه على التصفية.
مشاركة :