تكلمنا في المقالة السابقة عن كتاب «أمم أمريكية»، وفيه يقول المؤرخ كولن وودورد: إن أمريكا اليوم تتكون من أمم كثيرة كلها لها أعرافها وتاريخها الخاص. رأينا في المقالة السابقة 3 أمم هي اليانكيز (تشمل عدة ولايات في منتصف وشرق المنطقة الشمالية) وهولندا الجديدة (مدينة نيويورك وما يحيط بها) والساحل الغربي (من كاليفورنيا وإلى كندا شمالاً). هؤلاء يشكلون تيارًا يسمى «التحالف الشمالي» وذلك لوجود بعض التقارب بين قِيَمِهم. اليوم نرى التيار الثاني الذي ينازعهم السلطة منذ مئات السنين، وهو يتكون من الأمم التالية: 4) أمة تايدووتر: شرق فرجينيا، وأجزاء من كارولينا الشمالية وماريلاند وديلاوير. استقرت فيها عائلات بريطانية ثرية وحاولوا إنشاء مثل مجتمعهم البريطاني لما هاجروا هناك، وغلب عليهم الارستقراطية والنخبوية واحترام السلطة وعدم الإيمان بتساوي الناس اجتماعيًا. 5) أمة الجنوب العميق: بدأها تجار عبيد أتوا من باربادوس وصنعوا مجتمعًا قائمًا على استعباد الأفارقة وكراهية الحكومة التي تتدخل في الحرية الشخصية (أي حرية استعبادهم الناس!). يشمل أجزاء من كارولينا الجنوبية وفلوريدا وتكساس وألاباما وميسيسيبي وجورجيا. 6) أمة أباليتشا: سكنها محارِبون فقراء أتوا من مناطق الصراع بين إيرلندا واسكتلندا وبريطانيا. قِيَمهم الحرية الشخصية وكراهية الطبقة الارستقراطية والامتعاض من أمة اليانكيز التي تحب فرض قيمها والتبشير بها. تشمل أجزاء من كنتاكي وتينيسي وفيريجينيا الغربية وأركنسا وميزوري وأوكلاهوما وإنديانا وإلينوي وتكساس. هذه الأمم الثلاثة الماضية (رقم 4 و5 و6) تشكل التيار الكبير الآخر الذي يسمى مجموعة ديكسي. هذان التياران - التحالف الشمالي ومجموعة ديكسي - هما اللذان يتصارعان على السلطة في الولايات المتحدة منذ مئات السنين، وما زال الصراع قائمًا على الحكومة الفدرالية: أي على البيت الأبيض والوزارات والكونغرس والجيش والقضاء. المجموعة الثالثة لا تنتمي لأي من التيارين، لكنها تتراوح بينهما حسب المصلحة، وهذه المجموعة تشمل الأمم التالية: 7) الأراضي الوسطى: سكنتها الطبقة المتوسطة من طائفة نصرانية اسمها كويكرز، يطبعها الاعتدال السياسي وعدم الارتياح للتدخل الحكومي الكثير. تشمل أجزاء من ولايات نيوجيرسي، بنسلفينيا، أوهايو، إنديانا، إلينوي، ميزوري، آيوا، كانساس، نبراسكا. 8) إل نورتيه: هل ترى الحدود الأمريكية المكسيكية؟ 100 كم شمال الحدود و100 كم جنوبها، كل هذه هي إل نورتيه. هذه المنطقة بين الدولتين لها طابعها المختلف عن كليهما، فهي ليست ذات مشكلات مالية وسياسية كثيرة مثل المكسيك، وأكثر أهل تلك المناطق مكسيكيو الأصل والدين والتقاليد فيختلفون عن غالبية أمريكا. تختلف عن كل أمريكا الشمالية كما يقول وودوارد، وطابع أهلها الاستقلالية والاعتماد على الذات وتقدير العمل المجتهد. هذه تشمل ولايات مكسيكية، أما من أمريكا فتشمل أجزاء من تكساس، أريزونا، نيومكسيكو، كاليفورنيا. 9) الغرب البعيد: تشمل كامل أو أجزاء من ولايات آيداهو، مونتانا، وايومينغ، يوتا، واشنطن، أوريغون، داكوتا الشمالية والجنوبية، كولورادو، نيفادا، نبراسكا. هذه آخر منطقة استوطِنت، وحتى الهنود الحمر نأوا عنها، فهي وعرة مقفرة، ولم تُسكَن إلا بالتقنية الحديثة التي ذللت الصعاب الطبيعية، خاصة الشركات الكبيرة التي أرادت تحويلها لمناطق تستخرج منها المواد الخام والموارد، ولهذا فإن تلك المناطق منذ البداية وإلى اليوم وهي تحت سيطرة الشركات الضخمة. من طابع هذه الولايات كراهية الحكومة الفدرالية لكن في نفس الوقت مطالبتها بالصرف والمساعدة. ولهذا فإن كولن يقول: إن أمريكا اليوم ليست أمة متجانسة بل هي فعليًا بضعة أمم متنوعة، وهذه الحضارات المختلفة هي التي تفسر التعارض الشاسع في الآراء والتقاليد والاعتقادات عن المجتمع والسياسية والدين وكل أمر ممكن في أمريكا.
مشاركة :