كسائر المعتقدات الدينية والموروثات الشعبية الوفيرة على أرض البحرين، تبرز «الحية بية» كعادة شعبية، يصبغها البعض بصبغة دينية. وفي ذلك، أشار الأكاديمي الكاتب والناقد نادر كاظم إلى وجود فكرتين أساسيتين في طقس «الحية بية» أو «الضحية»، فهي إمّا أن تكون محاكاة وتقليداً لما يحدث في الحج، أو أنها قربانية تضحوية.«الحية بية»... موروث شعبي يدور في دوامة الفرضيات الوسط - حوراء مرهون كسائر المعتقدات الدينية والموروثات الشعبية الوفيرة على أرض البحرين، تبرز «الحية بية» كعادة شعبية، يصبغها البعض بصبغة دينية. ينظر إليها عامة الناس كمعتقد ديني أو موروث حضاري، وبعضهم يراها كأداة تربوية، تعلم الطفل حس المسئولية، بينما يجدها آخرون عادة يجب التمسك بها دون حاجة للرجوع إلى أصلها. هل تكتسب الحية بية مفهوم الأضحية كما نستوحي من اسمها؟ هل ترتبط بمفهوم القرابين والأضاحي الذي وجد مع وجود الخليقة؟ أم أن لها تفسير آخر؟ جذور قربانية على افتراض أن الضحية أو الحية يمكن لها تبني فكرة القربان والتضحية، يوجد في العديد من الثقافات مظاهر مشابهة، أينما ولينا وجوهنا وجدنا جذور قربانية، بأشكال تعبيرية مختلفة. وإذا ما قصدنا بالدين تعلق البشر بما هو أعلى وأقوى منهم، إله متعالٍ على الوجود البشري، فهي عادة دينية وجدت منذ بدء الخليقة، مرتبطة بالحاجة البشرية لرعاية من هو أكبر منهم. وإذا ما نظرنا إلى تجارب الأمم السابقة، نجد فكرة القربان لدى الجماعة الأولى، في القصة التوراتية والتي ذكرها الإسلام أيضاً، عن ابني آدم اللذين قدما قربانا إلى الله فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر. نجد حكاية القربان أيضاً تتكرر في بقرة بني إسرائيل التي أمروا بذبحها، وكما نجد ذلك في المجتمع القرطاجي الذي ضحى بالأطفال الرضع، قربانا للآلهة، لتحفظ ثرواته وأمواله. ويعتقد أنه بين عامي 800 و146 قبل الميلاد، عندما حكم الرومان قرطاج، تم التضحية بحوالي 20 ألف طفل رضيع. والى مصر حيث كان الناس يعبدون (النيل) وهو إله الخير والخصب، وحين انتابهم القحط ظنوا بأن الإله غاضب لرغبته في الزواج من فتاة جميلة. وكانت الفتيات الجميلات يلقى بهن في النهر لتستقبلهن الآلهة وترضى عن شعب مصر. وهكذا دواليك، من قربان لآخر جلباً للنفع ودفعاً للضرر الذي قد يحل بالناس إذا ما غصبت الآلهة. وصولاً للثقافة الإسلامية وحكاية نبي الله إبراهيم، الذي قدم ابنه للذبح طلباً لمرضاة الله الواحد. دوامة من النظريات أشار الأكاديمي الكاتب والناقد نادر كاظم إلى وجود فكرتين أساسيتين في طقس الحية بية أو الضحية، فهي إما أن تكون محاكاة وتقليداً لما يحدث في الحج، أو بأنها قربانية تضحوية. وقال: «ربما هي ممارسة لتعويد الطفل على التعلق بأمر ما، وثم التخلص منه، أما إذا افترضنا بأنها فكرة قربانية، نجد أكثر من تفسير انثروبولوجي لهذا الطقس، البعض يربطه بشعور البشر بالذنب وطلباً للغفران والتطهر يقدمون القرابين للآلهة. وآخر يربطها بحالة الضعف البشري أو الهشاشة البشرية، ولاستجلاب القوة من الآلهة، ودفع الضرر يقومون بذلك». وأضاف: «يوجد تفسير شائع ومتداول لإنثروبولوجي فرنسي يدعى رينيه جيرار، ألا وهو النزوع البشري لدى الفرد للعنف والعدوان. ولكي تحتمي الجماعة الأولى من مسألة العنف المدمر للجماعة ابتكرت لنفسها فكرة كبش الفداء، أي أن العنف بدل أن يسلط على الجماعة يسلط على فرد واحد. فهي أشبه بعملية تنفيس للعنف للخلاص منه». إبدالات وإحلالات... التطهر بالدم وصولاً للماء وذكر كاظم أنه مع مرور الزمن حصلت عملية إحلالات أو إبدالات، فبدلاً من تسليط العنف على واحد من أبناء الجماعة، يسلط على خارج أبنائها، حتى لا تخسر فرداً من أفرادها، ولتلافي مسألة الثأر والانتقام من أقارب هذا الشخص، لاحقاً بدل أن يتم تقديم قرابين من بشر استعيض عنهم بحيوانات، ومسألة التضحية بالنباتات ما هي إلا مسألة إبدال مع الزمن. أما الكاتب حسين محمد حسين فطرح فكرة مشابهة للإبدال: «الطقوس تتغير ويتم إعادة ربط الطقس بمناسبة أخرى تلائم المعتقدات الحالية والسبب في ذلك تغير الثقافة. كثير من الثقافات تمارس طقوساً ومظاهر معينة ولكن بعد أجيال عديدة يتغير جوهر الطقس ويبقى المظهر ثابتاً». أما كاظم، فقال: «يذهب البعض إلى أن الدم هو سائل التطهير في المجتمعات الرعوية، وقد يبدو أن بدايات تقديم القرابين ظهرت لدى مجتمعات رعوية، لديها ماشية فتقدم القرابين عن طريق عملية الذبح». وتابع: «أما بالنسبة للمجتمعات الزراعية، فالماء هو عامل التطهير، وبالتالي يمكن ربط مسألة تقديم النبات للماء في المجتمعات الزراعية، حيث نجد إبدال الدم بالماء للتطهر». وواصل: «قد نجد مجتمعات مسالمة وليست عنيفة مثل المجتمعات الزراعية، فيتم الاستعاضة عن القرابين الحيوانية بالنباتية، وعامل التطهير الماء بدل الدم. لكن كل هذا تأويل نظري بدون إثباتات علمية حقيقية». ولا يتفق كاظم مع فكرة التنفيس عن العنف بل يرى بأن الفكرة من الدم تكمن في تقديم أغلى ما يملك الإنسان وهي الروح. عادة مستمرة وجهلٌ لأصلها وفي حديث مع صانعة الأضاحي بتول جعفر، الأربعينية التي قضت أكثر من عشرين سنة في هذه الصناعة وتوارثتها عن جداتها، فإنها لا تهتم بمعرفة أصل الطقس وجذره، إنما تتمسك بالعادة القديمة لمجرد كونها اعتادت عليها. بتول جعفر، تعمل في الأشغال اليدوية التراثية، وتنتج منتوجات بخوص النخيل، وتبيعها بأسعار مختلفة تعتمد على الحجم، إذ تبيع الأضحية بنصف دينار فقط، وتصنع لعيد الأضحى قرابة 250 ضحية. وتشكو تعذر الناس الشراء بحجة غلو سعرها، على رغم أن صناعة الأضاحي عملية متعبة وشاقة تمر بعدة مراحل ولصناعة الكميات تعمل بشهر متواصل. وتقول: «صناعة الأضاحي والتعب الذي تتطلبه ليس مجدياً إذا ما نظرنا للمردود المادي، لكننا نفعل ذلك لأننا تعودنا على صناعتها». صانع الأضاحي علي إبراهيم، يعمل منذ سنين طويلة في صناعة الأضحية ويعلل ذلك بحبه للأطفال ويقول: «لدي أحفاد كثر، تفرحهم الأضاحي في العيد، لذلك بدأت في صناعتها لأدخل البهجة عليهم، أعمل على الأضاحي وأبيعها في منزلي بـ 300 فلس فقط». هل ترتبط «الحية بية» بحدائق أدونيس؟ يرجع الباحث محمد حسين بأصل فكرة الأضحية الشعبية أو الحية بية، إلى دراسة نشرها الباحث كلايف هولز بشأن اللهجات والثقافة في البحرين. إذ لاحظ هولز وجود تشابه في طقس الضحية مع احتفالات أدونيس أو الأدونيات، وهي احتفالات بدأت في حضارة وادي الرافدين ثم انتشرت لدى اليونانيين والفينيقيين ممن تبنى فكرة الإله أدونيس. وحسب الدراسة فإن طقس حدائق أدونيس إله الخصوبة والزرع، يلتقي في مظهره مع الضحية، من حيث شكل السلة أو الوعاء الصغير الذي يوضع فيه الرمل وتزرع فيه النباتات قصيرة العمر، وفكرة الطقس تتمثل في تشبيه قصر حياة ادونيس بقصر حياة النبتة. وفي يوم الاحتفال تعلق السلال على نموذج الإله أدونيس ويطاف بها، ثم ترمي النساء هذه الحدائق في النهر. لكن محمد حسين يؤكد أنها مجرد نظرية وليست حقيقة قطعية، ويقول: «هل هناك امتداد؟ هل ما يوجد لدينا في طقس الضحية هو امتداد لما كان يحدث هناك؟ ربما... هل هو احتفال بالحج؟ أو احتفال بعيد الزرع أو الخصوبة؟ أو أن أصل الأضحية هي فكرة أدونيس الذي كان شعبه يختار له نباتات سريعة النمو وقصيرة العمر ثم ترمى في البحر؟ لا ندري !». وأضاف: «الأمر معقد جدّاً في التحليل الرمزي للأضحية، إذ تختلف نظرة كل شخص اليها بحسب مرجعيته الفكرية، ولا نستطيع الجزم بصواب البعض وخطأ الآخر، لذلك فإن باب التنظير مفتوح دائماً للباحثين». علي إبراهيم صانع أضاحٍ-نادر كاظم-حسين محمد حسين عملية زرع شتلات «الحية بية» صغيرتان بالزي الشعبي تمسكان «الحية بية» على ساحل البحر
مشاركة :