تتابع عدة دول بانتباه شديد تطورات المفاوضات الهادفة إلى إعادة توحيد قبرص، لأن التقارب مع تركيا سيُسهِّل استغلال احتياطي الغاز الكبير في شرق المتوسط، كما يرى خبراء. ويجري بحث استثمارات هائلة لتنظيم صادرات حقول الغاز الطبيعي البحرية، التي اكتشفتها في السنوات الخمس الماضية شركة نوبل الأمريكية، في حقلي ليفايتان في إسرائيل، وأفروديت في قبرص. لكن تركيا المجاورة تعتبر زبونا مهما محتملا، ونقطة عبور مفضلة نحو أوروبا، إلا أن خلافها مع قبرص، حيث تحتل شطرها الشمالي؛ يعرقل أي تعاون بين الطرفين. وهددت أنقرة بمقاطعة الشركات المعنية بعمليات التنقيب، كما أن بحريتها تدخلت لاعتراض سفن نفطية، ويعود آخر حادث من هذا النوع إلى مطلع شباط (فبراير). ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية في تقرير لها، عن مسؤول عمليات شركة "توتال" في قبرص، جان لوك بورشرون، قوله: "باستثناء هذه الحوادث الطفيفة، لا شيء يعرقل عملنا. نحن في مرحلة الاستكشاف، وليس هناك اعتراض على الحقول". وفي المقابل، قال إنه حين يتعلق الأمر باستثمار مليارات اليورو في البنى التحتية للإنتاج والتصدير، "فسيكون علينا التأكد من أن الظروف الأمنية والسلامة مواتية". لكن تركيا التي اجتاحت الشطر الشمالي لقبرص في 1974م، ردا على انقلاب يهدف إلى إلحاق الجزيرة باليونان؛ تعارض استغلال المحروقات من قبل حكومة قبرص التي لا تعترف بها. ويعتبر التوصل إلى توافق بين تركيا وقبرص ضروريا، لنقل الغاز القبرصي وأيضا الإسرائيلي واللبناني. ويقول جورج موديتشيان، من التجمع الفرنسي للشركات والمهنيين في مجال المحروقات: "إن هناك في الواقع ثلاثة خيارات رئيسة لتصدير هذا الغاز". مشيرا إلى "مصنع تسييل غاز عائم في البحر"، وهي تقنية غير منتشرة كثيرا، أو "مصنع تسييل على الساحل"، وهو ما تعمل عليه السلطات القبرصية حاليا، لكن كلفته ستبلغ نحو عشرة مليارات يورو، أو "أنبوب غاز نحو تركيا"، لكن هناك الكثير من العقبات السياسية أمام هذا الاحتمال؛ وفقا لموديتشيان. وقال هيو بوب، من مجموعة الأزمات الدولية: إن أنبوب الغاز هذا، الذي تقدر كلفته بما يُراوح بين مليارين وثلاثة مليارات يورو يعتبر على المدى القصير "الطريقة الأرخص والأسرع والأكثر أمانا، التي تدر أعلى الأرباح لنقل الغاز إلى الأسواق الأوروبية". لكن هذا الخيار يبقى "مستبعدا طالما لم يتم التوصل إلى اتفاق لحل القضية القبرصية"؛ وفقا لبوب. واستؤنفت في 11 شباط (فبراير) الجاري إثر تدخل الدبلوماسية الأمريكية، محادثات إعادة توحيد الجزيرة، التي كانت تراوح مكانها منذ سنوات، ثم عُلِّقت قبل سنتين. واعتبر وزير الطاقة التركي، تانر يلديز، أن هذا الأمر "سيمهد الطريق أمام مشاريع في مجال الطاقة"، خاصة أمام أنبوب غاز يربط إسرائيل وقبرص بأوروبا عبر تركيا. وهذا الاحتمال يناسب الإسرائيليين، الذين لا يزالون في حالة حرب مع لبنان المجاور، ما يجعل من قبرص الممر شبه الإلزامي لأنبوب غاز نحو تركيا. وإسرائيل التي تبدو مترددة إزاء إقامة مصنع تسييل الغاز على أراضيها بسبب المخاطر البيئية والأمنية؛ تبقى مهتمة بفكرة إقامة مصنع على الساحل الجنوبي القبرصي، ما سيتيح الوصول إلى الأسواق الآسيوية المهمة. لكن لم يتقرر شيء بعد، لأن الحكومة القبرصية كلفت عدة تحالفات شركات القيام بدراسات جدوى، رغم أن احتياطها الوحيد المؤكد حتى الآن، ذلك الموجود في حقل أفروديت، الذي قدر في تشرين الأول (أكتوبر) بنحو 140 مليار متر مكعب، لا يزال غير كاف لتغطية تكاليف مثل هذا الاستثمار. وتراهن قبرص على اكتشاف احتياطي أكبر في الحقول الثلاثة، التي منحت لتحالف إيطالي - كوري جنوبي "إيني كوغاس"، وفي حقلين مُنِحا لشركة "توتال"، حيث من المرتقب بدء أولى عمليات التنقيب في نهاية 2014 ومطلع 2015. لكنها تأمل أيضا في التمكن من تسييل قسم من الغاز الإسرائيلي، وهو ما يتطلب أن تقبل قبرص تسوية مع تركيا. وقال بوب: "إذا لم تسمح قبرص بإقامة أنبوب الغاز نحو تركيا، فإن مسؤولين إسرائيليين قد أكدوا أنهم لن يرسلوا الغاز الإسرائيلي إلى مصنع تسييل الغاز القبرصي" عند إقامته.
مشاركة :