قال كونفوشيوس: «لو كانت خطتك لسنة، ازرع أرزا. لو كانت لعشر سنوات، ازرع شجرا. لو كانت لمئة عام، علم الأطفال». لأن الحياة تقوم على فلسفة الاستثمار، في الأرض والعقار، في الأبناء والفكر والشخصية والخلق. والأبناء هم شجر المستقبل وأرز الحضارة، التي تنمو وتزدهر بعصارة عقله، فكره، صفاء نفسه وطيبة قلبه. الأطفال هم الذين يمنحون الحياة أملاً بالجمال والخير والتطور. انهم الزيت الذي يحرك محركها، ويدفعها للأمام. انهم ما يمنحنا الأمل لمحاربة كل أشباح العصر من فساد وخراب وقسوة. لكن حين نأتي للواقع، ماذا نرى؟ أجيال من الشباب الضائع التائه لا صلة له بالواقع أو بالأسرة والأهل. يعيشون عالماً افتراضياً وهمياً من الصداقات البعيدة، المشوهة والمزيفة. فلا الصورة أو الاسم أو الحوار يعكس حقيقة الطرف الآخر. وما يردده من حكم وشعارات وأقوال، هي اقتباسات اما مسروقة أو منقولة، لا يفهمها وبالتأكيد لا يطبقها. لا يفقه في الحياة والتجارب شيئاً. حياته سندويتش تيك أواي سريع... كل يوم بنكهة. ينتهي بسرعة، مؤذ للصحة، يتطلب التكرار ويؤدي للادمان ويدمر الصحة. هل يستثمر فيهم الأهل، بالطبع لا. الأهل لا يدرون شيئاً عن أولادهم حتى يستثمروا فيهم. رغم أن بعضهم في جامعات عادية أو خاصة لكن من دون متابعة أو اهتمام. الوقت يتسرب بلا فائدة، والمال يحترق من دون مردود علمي أو ثقافي. أما من يملك الوعي والارادة لفعل شيء بحياته، ويكرس وقته للدراسة والعلم، فلا يملك من يستثمر فيه ومن يوفر له التمويل اللازم للاستثمار بعقله وجهده وابداعه... هكذا هي تناقضات الحياة. لذلك، فهذه دعوة للالتفات للأبناء، والاستثمار فيهم، في عقولهم وابداعهم، ارادتهم، أخلاقهم، وقتهم وعمرهم. استثمروا فيهم تجاربكم، حبكم وأحلامكم وأهدافكم، ليثمروا علوماً وفنوناً وابداعاً، بناء وعمراناً وحضارة، تطوراً وتنمية في أنفسهم، فيكم وفي وطنهم. استثمروا فيهم الأخلاق، قبل أن يستثمر غيركم فيهم الانحراف والانحلال والفساد. استثمروا فيهم الضياء والايجابية، الأمل والحب والجمال، قبل أن يستثمر فيهم الآخر الدمار الخراب، القتل والظلام. استثمروا فيهم ولا تتركوهم فارغين ليأتي الآخر فيملأ فراغهم بفساد نفسه وسوء عقله وانحراف قلبه.
مشاركة :