قضت محكمة التمييز في يوليو الماضي، بإبطال قرار وزارة التربية الخاص بوقف دراسة الحقوق في الجامعات المصرية كافة، بعد أن تم رفض القرار أيضا في كل من محكمة أول درجة ومحكمة الاستئناف، وبذلك بات الحكم واجب التنفيذ على وزارة التربية، وفقاً لتصريح الوزير بدر العيسى. وبالعودة قليلاً إلى الوراء، فإن الوزارة اتخذت هذا القرار، الذي لا ينطبق طبعاً على الطلبة الحاليين، بناءً على توصية من جهاز الاعتماد الأكاديمي، وبناءً على تبريرات عدة، لعل أهمها تزايد أعداد الدارسين لتخصص الحقوق في مصر، ولعدم حاجة سوق العمل لمثل هذا العدد الضخم من الخرجين المحتملين، أو بمعنى أصح عدم قدرة الدولة على استيعاب هذا العدد وتوظيفه، خصوصا أنها ملزمة بذلك وفقا لنصوص الدستور التي كفلت هذا الحق. حاولت أن أبحث أولاً عن أعداد الدارسين في كليات الحقوق في مصر. ففي مقابلة مع رئيس المكتب الثقافي الدكتور فريح العنزي في جريدة «الراي»، أوضح أن إجمالي أعداد الكويتيين المسجلين في الجامعات المصرية يبلغ نحو 20 ألف طالب. وفي مقابلة أخرى له، أكد أن 60 في المئة من مجموع الطلبة في مصر، يدرسون في كليات الحقوق، وهذا ما يعني بحسبة بسيطة، أن عدد الطلبة في كليات الحقوق يفوق 10 آلاف... فهل هذا معقول؟ وبمقارنة بسيطة، وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن عدد الطلبة المقبولين في كلية الحقوق هنا في جامعة الكويت لا يتجاوز 500 سنوياً، فإن هذا يعني بكل بساطة عزيزي القارئ، أن عدد الطلبة الدارسين للحقوق في مصر يعادل نحو 5 أضعاف الطلبة هنا في الكويت، وهذا بالطبع يثير علامات استفهام عديدة لا يسع المجال لذكرها! حاولت أن أتساءل، هل سوق العمل بالفعل بحاجة لمثل هذا العدد الضخم من محامي المستقبل؟ فالأرقام تشير إلى أن هناك أكثر من 12 ألف محامٍ قادم لسوق العمل خلال السنوات الأربعة المقبلة، أخذا في الإعتبار طلبة الأردن والبحرين وفرنسا وكلية القانون الكويتية العالمية حديثة التأسيس وغيرها، فهل خططت الدولة فعلياً وواقعياً لاستيعاب مثل هذا العدد؟ وهل هناك دراسات واقعية عن حاجة سوق العمل لكل تخصص؟ وهل هذا الحكم سيفتح الباب لعدد أكبر لدراسة الحقوق في الكليات المصرية، وما قد يشكله ذلك من ضغط أكبر على الدولة في توظيف مواطنيها؟ لم أطلع على حكم محكمة التمييز، ولكنني متيقن بأن العلة في الإجراء المتخذ وآلية تنفيذه من قبل وزارة التربية المناط بها رسم السياسة التعليمية وفقاً لمصالح الدولة وبما يخدم مؤسساتها ويحقق مصالح مواطنيها، أخذا في الاعتبار دور جهاز الاعتماد الأكاديمي في وضع القواعد والمعايير وضوابط تقييم الجودة وتحديد مؤسسات التعليم العالي التي يسمح باعتماد مؤهلات خريجيها وغيرها من المسؤوليات وفقا لما جاء في مرسوم إنشائه. ويبدو أن واقع الحكم قد يفرض قضايا كثيرة قد ترفع مستقبلاً، كتلك المتعلقة برفع «البلوك» عن جامعات معينة، أو السماح بالدراسة في دول لم يكن معترف بها من الأساس، وغيرها من القضايا ومن يدري ما هي عواقب ذلك؟! ختاماً، على وزارة التربية أن يكون لها وقفة لمراجعة الإجراءات المتبعة ودراسة تبعات ما وراء حكم محكمة التمييز من عواقب، وإنني متيقن بأنها قادرة على تجاوز هذه الإشكالية، متى ما أرادت ذلك! Email: boadeeb@yahoo.com
مشاركة :