أمجاد من بارود! - مقالات

  • 9/21/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تحتاج أي ظاهرة أو مشكلة إلى الوقوف على أسبابها الحقيقية لتفسيرها، أو الوصول إلى حل ناجع لها، لا أن يتم تفسير الظاهرة، أو حل المشكلة بناء على ردة فعل معينة، أو وفق نظرة قاصرة تظلم المشهد ككل؛ لذلك فإن جهلنا بالجذور التي استمدت منها حركات الإرهاب السياسي وجودها، والأساليب الفكرية التي تحشد من خلالها المؤيدين لها، وعدم قدرتنا على فهم أرضيتها الفكرية، هي أهم أسباب عجزنا عن مواجهة هذه الحركات والتصدي لها بالشكل الأمثل. لقد اعتمدت بعض هذه الحركات في قيامها، وانتشار أفكارها، والترويج لمنهجها وتوجهاتها، واستقطاب الكثير من الأنصار، على تمجيد مشهد تاريخي معين، واستحضاره ومحاكاته، لخدمة مصالح ومكتسبات آنية. وسأسوق بين يدي القارئ الكريم أمثلة لذلك: جماعة الحوثيين في اليمن، حيث يظن كثيرون أن قضيتهم «ثورة شعبية»، أو «اضطهاد مذهبي» من الجوار، بيد أن التاريخ يعطي مبرراً آخر للحوثيين للقفز على الحكم، حيث إن اليمن قبل أن يكون جمهورية، كان مملكة أُسست في العام 1918 باسم «المملكة المتوكلية اليمنية»، نسبة إلى مؤسسها الإمام «الزيدي» يحيى حميد الدين المتوكل الذي أراد السيطرة على كامل اليمن - شماله وجنوبه - وكان ضد تقسيمه بعد خروج العثمانيين وهيمنة الإنكليز. هذه المملكة قد تكون حاضرة في أذهان الحوثيين، ويعتقدون بأحقيتهم في حكم اليمن، واستطاعت إيران احتواء هؤلاء الحوثيين بادعائها أن عدوهما مشترك، وهو الغرب، وتوافقت أهدافهما في التوسع أفقياً، فإيران تريد التضييق على السعودية، والحوثيون يحلمون بمجد المملكة المتوكلية! وفي المقابل، هناك أمثلة «سلمية» معاصرة كثيرة لم تستخدم «البارود»، ولكنها تتبنى المنطق نفسه، وهو حضور ومحاكاة التاريخ، منها عودة «الإخوان المسلمين» إلى الحكم، في مصر، في 2012، بعد أن تم استبعادهم من الحكم منذ ثورة يوليو 1952. وكذلك نضال الحركة الملكية الدستورية العراقية التي تطالب حاليا بحكم دستوري ملكي، لاستعادة حقبة الحكم الملكي للأشراف الذي انتهى في 1958. إن التغيير إلى الأفضل هو الغاية والمبتغى، سواء أكان هذا التغيير له مثيل في التاريخ أم لا. وإن محاكاة الماضي دافع يمكن أن يحمل الجماهير على استعادة المشهد «السراب»، وعلى إقناعها بتأييد التغيير، سواء كان باستخدام القوة والبارود، أو باستخدام الديموقراطية. يقول الأديب المصري يوسف زيدان «إننا لن نستطيع تحقيق هذا الأفضل قبل أن نؤسس لوعي حقيقي بالواقع عن طريق الفهم العميق للماضي؛ فبهذا الطريق يمكن أن نستشرف المستقبل على نحو أفضل. ان تقديس هكذا أحداث سيبعد الشعوب العربية عن مواكبة التقدم الذي بات العالم يتسابق إليه، وبات يلقي وراءه - من أجل هذا التقدم - بكل خلافات، أو أمجاد لها ظروفها وطمسها التاريخ، إلى غير رجعة»! Nasser.com.kw

مشاركة :