ما أشبه اليوم بالبارحة !!

  • 2/24/2014
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

استوقفني قبل أيام خبر قرأته عن ثلاثة شبان بريطانيين مازالوا في مطلع العقد الثالث من أعمارهم، اعتنقوا الإسلام وصاروا يطوفون في الطرقات يتهددون الناس ويتوعدونهم بحجة أنهم كفار مباحة دماؤهم وأعراضهم وأموالهم. فكان أن وقعوا في قبضة الأمن وصدرت ضدهم عقوبات قاسية علها تردعهم. أسلوب التكفير واستغلاله حجة للنيل من الخصم ليس حديثا، بل هو قديم يصحبنا منذ القرن الأول لانبثاق الإسلام. فحمى التكفير التي تشتعل بها ألسنة البعض بيننا في هذا الزمن، ما هي إلا امتداد لتلك الجذوة القديمة التي كانت تشتعل بين أسلافنا وهم يلهثون وراء تكفير بعضهم البعض منذ غياب الجيل الأول لقادة الدولة الإسلامية. التكفير هو السلاح البتار الذي تقطع به الطريق أمام خصمك دون أن يكلفك ذلك أدنى مشقة، من يضايقك ويعترض طريقك يمكنك بسهولة وبساطة أن تتخلص منه بأن تسل سيف التكفير من غمده فتشهره في وجهه. في تاريخ المسلمين مراحل تاريخية لا تختلف كثيرا فيما اعتراها من صراع فكري ديني عما هو قائم في عصرنا هذا، فقد انقسموا كما نحن اليوم ما بين متشددين متعجرفين يتهمون بالكفر كل من يخالفهم، ومتسامحين لينين يرون أنه لا يحق لأحد أن يجزم بكفر من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. كان هناك فارق كبير في سعة امتداد معنى الإيمان ما بين المتشددين والمتسامحين، فمتشددون كالخوارج مثلا الذين كانوا يهدرون دم كل من يرونه فاسقا وفق مبدئهم في تكفير فاعل الكبيرة، والمعتزلة الذين كانوا يكفرون من لا يقول بخلق القرآن، لم يكن بإمكانهم في ظل مفهومهم الضيق لمعنى الإيمان أن يستوعبوا ما كان يقوله غيرهم من المتسامحين الذين يرون أن الإيمان محله القلب ولا يعلم بحقيقته سوى خالقه وأن المؤمن يظل مؤمنا حتى وإن وقع في المعاصي مادام غير منكر أنها معصية !!. مما يروى عن الإمام أبي حنيفة قوله: «لا نكفر أحدا بذنب ولا ننفي أحدا من الإيمان»، فأبو حنيفة رحمه الله كان يتحرج من تكفير أحد من المسلمين لأي سبب كان، فهو عالم مخلص لعلمه لم تكن له أطماع سياسية كما لغيره. السير التاريخية تخبرنا عن وجود تزاوج وعلاقة رباط وثيق تجمع ما بين التشدد الديني والتطرف في تكفير الناس، والأطماع السياسية، أما متى خلصت النية للـه وحده وتفردت الغاية لحماية الدين وحفظه، فإن التسامح هو الراية التي لا تعلو فوقها راية. ما أشبه اليوم بالبارحة، فمازال الخلف يتوارثون سمات أسلافهم بما فيها أسلوبهم في الخصومات حول السلطة وتحقيق الأطماع السياسية.

مشاركة :