ما أشبه اليوم بالبارحة - سهام عبد الله الشارخ

  • 6/11/2014
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

"خلال دخان علا واستدار رأيت الحمى خربة ماحلة على العتبات تدب هوام وتعبر قافلة قافلة وبين الزوايا عناكب تحبو وتمعن في زحفها واغلة وأبصرت أشلاء قومي هنا وهناك على طرق السابلة قطيع وديع.. بقية قومي فهذا شريد وهذا طريد تظللهم في العراء الخيام وقد أخلدوا في هدوء بليد براكين خامدة لا تفور استحال اللظى في حشاها جليد قصارى مطامحهم لقمة مغمسة بهوان العبيد" هذه أبيات مؤثرة للشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان تصف فيها أحوال قومها في خيام اللاجئين، ووجوههم المعفرة بالتراب، وحالة البؤس التي يعيشونها بعد النكبة. أتذكر تلك الأبيات وأنا أرى منظراً للأطفال السوريين في مخيماتهم الخربة، وهم يتقاسمون كسر الخبز، بوجوههم الناحلة الكسيرة، وعيونهم الزائغة، وملابسهم الرثة. ما أشبه اليوم بالبارحة !ألا يخجل العالم ونحن في القرن الحادي والعشرين وبعد أكثر من ستين عاما أن تتكرر مأساة أشنع من نكبة فلسطين، وفي زمن لا يتوقف فيه الكلام عن حقوق الإنسان وكرامته بينما على أرض الواقع لا يتحقق شيء؟! هل يقبل الحر منا أن يرى الشعب السوري الكريم يتسول لقمته في شوارع ومدن تركيا ولبنان والأردن وفي كل أرض لجأ إليها؟! مقابل هذا المشهد المحزن هناك صورة بشار الأسد معلقة على مبنى متهدم جراء القصف تثير الغضب والاشمئزاز مكتوب عليها "سوا منعمرها" وهو يرفع يده محييا، وخلفه العلم السوري يروج فيها لانتخابه رئيسا، وهي الانتخابات التي سميت "انتخابات الدم" لأنها تجري وسط شلالات الدم. رئيس دمر بلاده وقتل وشرد شعبه يريد أن يظهر نفسه بصورة المنقذ، يخاطب جزءا من شعبه اختار راضيا أو مكرها أن يظل يمجده رغم ما ألحق به من دمار وخراب. لماذا يمجد بعضنا الطغاة رغم علمهم بالفظائع التي ارتكبوها؟ أليس من المخزي أنه لا يزال هناك من يؤمن مثلا ببطولة صدام حسين رغم كل الوثائق والتسجيلات التي تثبت العكس؟ هل يتشبث هؤلاء ببطل صنعوه بخيالهم ولا يريدون التخلي عن صنيعهم؟ ولماذا تتحرك عندهم مشاعر الإنسانية فقط عندما يقع القتل ممن يبغضونهم ؟ هل هي"آلية معاقبة ذاتية للنفس على ضعفها وخضوعها لجبروت السلطة القائمة بالاستسلام لمزيد من الخضوع، أم أنها تجاوب لا إرادي مع ثقافة القوة "كما يفسرها أحد الكتاب، على اعتبار أن القوي المستبد أقدر على تحقيق الأمن والأمان من غيره. مهما نحتت تماثيل الطغاة وعلقت صورهم في كل مكان فهم ذاهبون، وسيخلد التاريخ الشرفاء من الشعراء الذين رثوا شعوبهم وناضلوا من أجلهم.

مشاركة :