بعد مئة عام على انتهائها، تُدّرس الحرب العالمية الأولى وتُشرح للأطفال بطرق شتى في الدول التي كانت متناحرة، مع تباين بين المنتصرين والمهزومين، ونزعة التركيز على فضاعة النزاع أكثر من بعده العسكري أو المكاني. ففي فرنسا تتم دراسة تلك الفترة على ثلاث مراحل في المدرسة الابتدائية إذ يتعين على الطلاب أن يعلموا عن معركة فردان الشهيرة في 1916 ودور كليمنصو، واتفاق الهدنة المبرم في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 1918، وبعد ذلك يدرس الطلاب شدة العنف في الحرب وخريطة أوروبا الجديدة المنبثقة عنها، وأخيراً في المرحلة الثانوية يدرسون برامج تركز خصوصاً على معاناة المقاتلين في الخنادق، وأكد الأمين العام لجمعية أساتذة التاريخ والجغرافيا هوبير تيزون «نأسف لعدم الإسهاب في التطرق إلى أسباب النزاع في ذلك الحين». أما بريطانيا فإن النزاع يدرس هناك بشكل عام ويطرح خصوصاً على أنه كارثة إنسانية، ويركز البريطانيون بشكل خاص على معركة السوم في 1916، التي أسفرت عن سقوط أكبر عدد من القتلى وخسروا فيها أكثر من 200 ألف رجل من أجل تحقيق إنجاز استراتيجي بسيط على الأرض. وعلى غرار فرنسا يركز البريطانيون خاصة على ظروف الحياة في الخنادق، ويروي أستاذ التاريخ في ثانوية سان جرمان اون لاي قرب باريس، ماثيو توملينسون أن «بعض المؤرخين يرون أننا نفرط في التركيز على تلك النقطة وننسى بذلك الانتصار العسكري». في ألمانيا تختلف الدروس من منطقة إلى أخرى إذ أن كل مقاطعة تحدد بنفسها برنامج التاريخ، إلا أن دراسة الحرب العالمية الأولى في معظم الأحيان مقتضبة جداً، لا سيما أن الألمان تأثروا كثيراً بالحرب العالمية الثانية أكثر من الأولى. وفضلاً عن ذلك قال الأستاذ في أوسنبروك، راينر بنديك «إنهم ينأون بأنفسهم عن الإمبراطورية الألمانية في سنة 1914 التي لا يشعرون بأنها تمثلهم، مؤكداً أن الحرب الكبرى تظهر في أغلب الأحيان كنتيجة لإمبريالية القرن الـ19، دون تقديم تفاصيل عن المعارك والدمار». أما في روسيا فإن الرئيس فلاديمير بوتين أكد أخيراً نيته في إعطاء النزاع كل المكانة التي يستحقها معتبراً أن النظام السوفيتي نسي ظلماً ذلك النزاع طيلة 70 عام، وهو الذي أبرم معاهدة «بريست-ليتوفسك» الكارثية وركز على ثورة 1917 وانتصار 1945 على ألمانيا النازية. وبالتالي أصبحت الحرب العالمية الأولى تكتسي مزيداً من الأهمية في الكتب الدراسية اليوم مع نزعة قومية. وأوضح المؤرخ ألكسندر شوبين أن «الفكرة العامة هي أننا قاتلنا بكل قوانا في حين استغل الحلفاء روسيا دون دعمها، وبالتالي تعرض الحرب وكأنها من الأسباب الأساسية للثورة الروسية،لأنها أنهكت قوى الإمبراطورية وأثبتت ضعف النظام القيصري». وفي إيطاليا لا تحتل الحرب الكبرى مكانة مركزية في البرامج التعليمية حسب ما قال بيار كيرليروه الذي كان أستاذاً في التاريخ وعضو في جمعية أساتذة التاريخ والجغرافيا، وكما هو الحال في فرنسا وبريطانيا تتمثل النزعة منذ عدة أعوام في التركيز على الحياة في الجبهة ومعاناة الجنود أكثر من الجوانب الإستراتيجية والسياسية، مؤكداً أن التعليم يربط أيضاً بين هذا النزاع وانبثاق الفاشية التي هزت إيطاليا خلال الحرب العالمية الثانية. أما في خامس دول الأرض مساحةً، وبالتحديد أميركا، فإنه تُركت مكانة هذا النزاع في التعليم لمبادرة الأستاذ نظراً لغياب برنامج تاريخ وطني، وأوضح أستاذ التاريخ في المدرسة الأميركية بباريس، غوهان سيمن أنه «إذا كان الأستاذ وطنياً فانه لن يركز إلا على الطريقة التي أثرت بها الحرب العالمية الأولى على الولايات المتحدة »، والتي دخلتها متأخرة في 1917 وتكبدت فيها خسائر محدودة مقارنة بالأطراف الأخرى المتناحرة، لكن بعض المدرسين يبدون مزيدًا من الانفتاح ويعرضون نظرة أوسع. الحرب العالمية الأولى
مشاركة :